رحلة السُّكر

سقطت مني سهواً بعض حبيبات السّكر في علبة القهوة, رقص مسحوق البن حولها, استقبلها ببشاشة ودهشة. أخبرتْ ذرات  القهوة بعضها البعض عن الزوار البيض فتراكضت تحيط بالسكر, تتهافت لتنال نظرة أو لمسة أو طعم.. تتدافع لتستقبل النور الذي سقط عليها فجأة.

تصيبها دهشة الفرح بتلك البلورات البراقة.. ناصعة البياض .. ساحرة الطلّة.. رشيقة التدحرج. يستقبلها السواد بعطفٍ وسعادة لأنها أخرجته من روتين اللون فبعثت فيه حياة النشاط ومسحت عنه تثاؤب الوقت.

كنت ألملم تلك الحبيبات بالملعقة محاولةً عزلها عن القهوة, لكنها كانت تهرب مني لتغوص أكثر في العلبة.. كأنها هي الأخرى أحبت ذاك الأسمر الخلاب ذو العطر الجذاب, وشعرت بروعة التناقض بينهما فأرادت أن تذوب فيه أكثر, وتتغلغل بين ثناياه في رحلةٍ مدهشة تتقافز فيها بشغف بين حنايا البن.. تتراقص.. تدور.. ويُسكرها الرحيق القوي.

تتمختر بغرور الأنثى وتعشق البن حتى تنسى غرورها, فتغوص في أحضانه.. تتدفأ بعباءته وتتنعم بنعومته.

وهو.. يدور حولها.. يغنّجها.. يدللها.. يقبّلها حبةً حبة.. يمسح حلّوها بعطره.

تتألق بين أحضانه ببريقٍ ألماسيٍ أخاذ, تذوب فيه ويذوب فيها.. فيختلط طعمه بحلاوتها.. ورائحته بعطرها.. وسواده ببياضها.

أبحث بالملقعة أكثر عن السكر الذي سقط مني سهواً في علبة القهوة.. فلا أجد له أثراً..

تُرى أين اختفت حبيبات السكّر؟


د. لين غرير، زاوية "بين السطور"، (رحلة السُّكر)

خاص: مرصد نساء سورية

شارك المقال مع أصدقاءك..
Top