الحب في زمن الثورة... الحب في زمن الكوليرا الطائفية

هم عشاق سوريون.. من طوائف مختلفة وبيئات متعددة، كبروا بين بحر أعطى العالم أولى أبجدياته وصحراء علّمت البشرية معنى الكرم والجود وياسمين فاض على الدنيا بعطره وسلام أرضه، لم يستطيعوا كبح جماح الحُب والرغبة في الإبحار وراء المجهول دون أن يهتموا إن كان الحبيب من هذه الطائفة أو تلك المنطقة وعاشوا الاختلاف بأحلى معانيه.. ... إلى أن جاء عصر "الثورة".
المفاهيم الخاطئة والمشوّهة عن الثورة والتغيير والتي غزت سورية كما غيرها من دول في العالم وانعكست على قصص الحُب فيها، فهذا الحبيب اختار "القضية" وأراد أن يثور.. اصطدم بعائلة حبيبته المختلفة عنه طائفياً وبالتالي لها رأيها السياسي الآخر المؤيد ولم يكن بدّاً من أن تختار الحبيبة: هل تتبع لعائلتها المؤيدة من إحدى طوائف الأقليات؟ أم تواصل إعجابها بحبيبها الذي اختار الثورة والتغيير بصرف النظر عن كونه من طائفة تشكّل أكثرية بشكل ما؟، والخيارات في معظم الأوقات يحسمها الحُب.
مريم فتاة من حمص تُحب إيلي، شاب مسيحي معارض يرى في ميشيل كيلو قدوة وفي هيئة التنسيق مثالاً على المعارضة المُحقة وهو يجاهر بمعارضته بقسوة تفاجئ مريم أحياناً، فتحاول مناقشته إلى أن ينتهي الأمر بهما متعانقَين أمام الأصدقاء كنوع من إثبات أن "الاختلاف لا يفسد للود قضية".. إلا إن مريم تعترف بتأثرها بكلام إيلي قائلة: "نعم لقد لفت نظري إلى كثير من الأمور، النظام مقصّر ومطالب بالعمل على تصويب الأخطاء.. كما لا يمكنني أن أكون مؤيدة للفوضى والفساد".
مريم المؤيدة السابقة للسلطة في سورية تتابع: "كنت أشارك في مسيرات التأييد في البداية ولكني اليوم أنتظر الحل في البلاد، فلا السلطة قادرة على حسم الأمور بأقل تكلفة ممكنة ولا المعارضة استطاعت أن تقترب من الشعب.. أظن أن إيلي على حق في معارضته، أنا اليوم معارِضة للطرفين".
وفي المقابل يرى الأصدقاء أن إيلي تغيّر جزء من إيمانه بقضايا المعارضة بسبب مريم، إذ إنها فتحت عينيه على بعض الحقائق منها حقيقة ما يجري في حمص من إجرام مسلّح ما أدى به إلى الاعتراف أخيراً بوجود مسلّحين، أمرٌ تفخر مريم بالوصول إليه.
بدورها سناء، مدرّسة من حمص أيضاً، على علاقة بمضر المتظاهر الدمشقي وينويان الزواج رغم معارضة الأهل التي أصبحت أشرس خلال الأزمة التي تشهدها البلاد.
تؤكد سناء أنها تأثّرت حُكماً بآراء مضر كما تأثر بآرائها، فهما شريكان في الرأي والتفكير والحياة وتجده مُحقاً في موقفه وتظاهره فقد "سئمنا من الكذب، من حقنا التعبير عما نفكر فيه".
وتلفت إلى أن عائلتها المؤيدة للسلطة رفضت سابقاً زواجها من الشاب الدمشقي لأسباب تتعلق باختلاف الطوائف، كما عائلتُه تماماً، إنما لم يكن الأمر بمثل هذه الصعوبة التي يمران بها اليوم، إذ إن رفض الزواج تحوّل بينها وبين عائلتها إلى حالة من العداء خلال الأزمة التي تمر بها البلاد فهو ليس من طائفة أُخرى في نظر والدها فحسب، إنما متآمر على الوطن أيضاً.
أما نبيل، شاب من طرطوس، يروي خلافاته مع حبيبته "الحموية" إثر خروجها في مظاهرات مسائية في دمشق ترفع فيها شعارات طائفية ودينية أحياناً، الأمر الذي أدى إلى استغرابه فلم يكن لديه شكٌّ يوماً في علمانيتها، وحلمهما المشترك بإقامة وطن علماني أضحى في عصر الحرية وطناً سلفياً يجعله يفكر مئة مرة قبل أن ينجب طفلاً يحيا كذبته التي عاشها هو مع حبيبة ثورية طائفية.
من جهة أُخرى فإن للأسرة السورية نصيبها الخاص من الآثار السلبية لهذه الأزمة وموضة الثورية المترافقة معها، وتكمن تلك الآثار بشكل مباشر في مشاكل أصابت الأُسَر القائمة على الزواج المختلط "طائفياً" والذي لطالما كان أحد ميّزات سوريا المتنوّعة طائفياً وقومياً وحضارياً، وللمحاكم السورية حكايات مع دعاوى طلاق تم رفعها على خلفية معارضة أحد الطرفَين أو موالاته.
وداد تتحدّث عن تجربتها في هذا، فقد رفعت دعوى طلاق على زوجها أحمد المؤيّد إثر تعرّضه لها بالضرب إثر خروجها في مظاهرات، معتبرة أن هذه هي "عقلية المؤيدين الإلغائيين".
المرأة التي تزوّجت عن حب لم تقبل أن تعترف أن خروجها في مظاهرات جاء على خلفية طائفية إنما من أجل التغيير، بينما زوجها يقول بالفم الملآن: "نعم صفعتُها، لأنني لم أحتمل أن ترفع زوجتي وحبيبتي وأم أطفالي شعارات طائفية في مظاهرة تحمل النفَس الطائفي الذي بنينا أسرَتنا على نقيضه".
وبين أحمد ووداد يعتبر المراقبون في المجال القانوني أن هنالك الكثير من الحالات والتي انتهى بعضها بجرائم؛ منطقة إبطع في درعا مثالاً، تشرح مدى حداثة الاختلاف السياسي في العرف السوري بحيث لا يستطيع معظم السوريين تقبّل الرأي الآخر سيّما في حالة الاختلاف الحاد في قضايا تتعلق بقبول محاولة الأجنبي التدخل في الشأن الداخلي السوري مثلاً والتي رفعها البعض شعاراً ومطلباً، كما سقوط الدماء السورية بيد شركاء الوطن، ما أدّى إلى دخول فكرة التخوين على خط الخلافات السياسية.
ويرى حقوقيون أنه على الرغم من عدم تطور الموضوع إلى حالة "الظاهرة" إلا إنها تتسارع وتتزايد بوتيرة مرتفعة نتيجة الاختلاف المذهبي لتفضي إلى خلاف سياسي فتصل إلى دور المحاكم العديد من دعاوى التفريق وحالات الطلاق والتي كان السبب الرئيس فيها هو الاختلاف في الرأي حول الأحداث التي تشهدها سوريا منذ ما يقارب العشرة أشهر.
فإذاً الحُب والزواج عنوان الاستقرار الأُسَري.. كانا أهمّ الأهداف التي أصابها أعداء المجتمع السوري في الأزمة، لما لها من أثر على مستوى التفكك الأسَري ولما تخلّفه في شخصية الطرفَين العاشقَين، واللذَين إنما انفصلا لأسباب سياسية تقوم بشكل مباشر على الطائفية، فلا شك ستخلّف شاباً وفتاة بمواطنة محطّمة في وطن لم يستطع أن يرعى اختلافهما وحبّهما، ما أدى إلى انكفائهما كلّ إلى طائفته ليصبحا فيما بعد قنابل طائفية موقوتة سرعان ما تنفجر بالوطن بمن فيه.. فهل من سبيل إلى إنقاذ سوريا القائمة أصلاً على الحُب!!.


مرح ماشي، (الحب في زمن الثورة ...الحب في زمن الكوليرا الطائفية)

عن موقع "عربي برس"، (14/12/2011)

شارك المقال مع أصدقاءك..
Top