معرض دمشقي جنائزي في اليوم العالمي للمرأة

في مقبرة هبة الله الأنصاري، توابيت نساء فقط، وفساتين تختزل حياة كل مقتولة منهن، وشواهد نثرية لا تحمل أسماء وتواريخ، لأن الموت دائم ومتعدد في هذه المقبرة التي تحمل 12 تابوتاً للفنانة وحدها، ولدرب كل أنثى قد تعيش تخلّف بلدان العالم الثالث.

المقبرة التي ستُقدم اليوم للجمهور السوري، هي للاحتفال بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، لكن في طقس جنائزي، يليق بشدة اشتهاء الحرية، والتوق إلى عالم خال من كل القيود، حتى إن كان داخل تابوت.

حمّلت الأنصاري فساتينها الملقاة في صناديق الزجاج "التوابيت"، بقع دم، وقطب جروح طازجة، وبُكارات مفضوضة لنساء تعرفهنّ جيداً.

ترى تابوتاً لعروس مُغتصبة في ليلتها الأولى، لم تخلع ثوب العرس بعد، لكنها تغطي أعضاءها الحميمة بكفوف ملوثة بالدم.

"هذا الدم لا يزول"، بحسب تعبير الأنصاري، فهو "كوجه شبح بشع يرافق صاحبته منذ الاغتصاب الأول، تسيل قطرات دمه على وجه صاحبته عند كل سرير".

داخل تابوت آخر، فستان طفولي لامرأة تشتهي سماع صراخ طفل تريد إنجابه من رجل لم يأتِ بعد، تشتهي رجلاً سيأتي... لذلك تُرك فستانها خالياً من أي بقعة أو جروح، مثل صاحبته، إذ تقول هبة: "هو لأنثى ممتلئة بحب لم تلتقه حتى اللحظة، تحلم أنثاه بالأمومة، وتعيش الوحدة إلى أقصاها".

تابوت فارغ، يُذكّر بعبارة للشاعرة السورية الراحلة دعد حداد: "أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها"، ربما لم تعثر صاحبته بعد، على أزهارها المفضلة، لكن العبارة المكتوبة عند التابوت تقول غير ذلك: "وجدت في طريقي إلى التابوت صندوق ضوء... فنسيت الطريق".

لا يحمل تابوت هبة الفارغ مرآة، لكنه دعوة لكل امرأة تقف أمامه، كي تنظر إلى نفسها.

تقول: "الموت ضماد أولي لجروح بعض النساء هنا، لأن القيح الموجود في أرواحهن يتسرب إلى كل مفاصل الحياة".

أربع نساء في تابوت واحد، يتشابه فيه وجه الظلم ومكانه، وربما هنّ ضحايا لرجل واحد، وقد تسعى هبة عند هذا التابوت إلى الوصول إلى قضية تعدد الزوجات، والإشارة إلى تشابه وجه الظلم على رغم اختلاف النساء.

اختارت الأنصاري لمقبرتها عنوان "كُلهنّ هُنا"، بحثت عن نــسائها منذ شهور، من خلال لقاءات متكررة مع كثيرات من النساء السوريات، ونبشت فساتين من حقائبهن، وآثار صفعات وشتائم ظلّت على أجساد بعضهن منذ تجارب بعيدة.

والمقبرة هذه عبارة عن عمل تركيبي (art Installation)، اشــتغلت فيه الأنصاري على مواد مختلفة، فالتوابيت من بلور وخشب وقماش أسود، أما الفساتين فمُعدلة ببعض المواد والألوان.

وإلى مقبرة "كُلهنّ هُنا" التي ستعرض في صالة المركز الثقافي الفرنسي، تعرض فواصل درامية توعوية من إنتاج وزارة الإعلام وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي حول المراهقة، وفيلم فرنسي يتناول العنف المنزلي.

ومعرض "تسع نساء يدلين بشهادتهن" يبدأ اليوم وينتهي في 18 آذار (مارس) الجاري.


عامر مطر، (معرض دمشقي جنائزي في اليوم العالمي للمرأة)

عن "دار الحياة"، (8/3/2011)

شارك المقال مع أصدقاءك..
Top