أن تكون وطنياً

أن تكون وطنياً لا يعني بالضرورة أن تكون منحازاً لجهةٍ دون أخرى, لحزبٍ أو لطائفة أو لدين.. أن تكون وطنياً يعني أن تتمسك ببلدك حتى الرمق الأخير.. أن تشعر بالانتماء فعلاً لا قولاً وحسب.. أن تنحاز لمصلحة الوطن أكثر من مصلحتك الشخصية.. أن توازن الحلم مع الواقع وتقف مع ما يعزز رفعة الوطن وتقدمه بحيث ينعكس ذلك عليك طبعاً..

 أن تكون وطنياً يعني أن تتجرد في المحن من مذهبك وانتمائك وتتذكر فقط أنك سوري, تشعر بألم الأرض التي تبكي من صخب الصراع والانتقام والأخذ بالثأر ووحش التخريب والعنف الذي يريق دم الشباب السوري, فلا إصلاح مع الخراب ولا تقدم مع الأنانية.

أهم ما في هذه المرحلة هو الوعي الحقيقي لما يحدث وعدم الانسياق وراء وعود معسولة وأحقاد متراكمة وهتافات لا ندرك معناها قيل أنها ثورة سورية تُجاري موجة الثورات , لكن منذ متى كانت الثورة عدوى؟ ثم أن لكل بلد ثورته الخاصة به وليس عليها أن تنادي بذات الطلبات وتردد ذات الشعارات وتحمل خطة الزلزال لقلب كل شيء وإلا ستتحول إلى وباء الثورات العشوائي.

أن نجاح الثورة لا يُقاس بإسقاط نظام أو رئيس أو حكم الشعب.. نجاح الثورة يظهر تباعاً مع مرور الوقت, لذلك لا يمكن الحكم الآن على نجاح الثورات التي تحدث حولنا لاسيما أننا نشهد مازلنا تخبط البلاد والحكومات والشعب في بحيرة ثورتهم, ولم يصل أحد بعد إلى بر الأمان بل ربما العكس, بدأت الانقسامات تظهر جليةً واضحة وصار الصراع على الكرسي شرعياً معلناً, ومن يدفع ثمنه؟؟ الشعب الذي هتف صارخاً يريد الحرية, وحده سيدفع ثمن صراع القوى على السلطة, بل وغدت الطائفية أكثر وضوحاً والعصبية الدينية أشد سطوةً على النفوس والبعض بدأ يكفر بالثورة ويطالب بثورة على الثورة.. وإلى أين؟ بعد أن صفقوا لغيمة النصر ساعات نسوا في غمرة فرحتهم أن يسألوا أنفسهم هل هي ممطرة؟ وهل مطرها سيكون خيراً للبلاد؟ ماذا بعد؟ من المستفيد؟ لماذا اليوم؟ أسئلةٌ لابد أن نسألها لأنفسنا اليوم هنا في سورية لعلنا ننقذ وطننا من دوامة لا خلاص منها.

هناك مستفيد أكبر يقدم بعض الحلوى والوعود بمسك زمام الأمور لمن هم دونه ولحاقدين من الخارج ليدخلوا في اللعبة ولكل من لديهم ثأر مع النظام, وهؤلاء يجيشون الشباب ويوقظون في نفوسهم أحقاداً طائفية تجعل دمهم يغلي في عروقهم مهدداً ببركانٍ من الدم فيخرجون متحمسين, يصرخون منادين بالحرية والإصلاح أولاً ثم يرتفع الهتاف إلى ما يريدونه منذ البداية ولم يصرحوا به مباشرةً.. ناهيك عن أفراد لا انتماء لديهم, يمكنهم أن يبيعوا أي شيء مقابل حفنة ليرات.

ولنتساءل هنا: هل هذا الذي ينادي (حرية حرية) يعيش الحرية ويطبقها في منزله؟ هل يمنح الحرية والديمقراطية لزوجته أو لنسائه وأولاده؟

الحرية مفهومٌ نسبي ولا يوجد حرية مطلقة.. المطالبة برفع سقف الحريات أمرٌ مشروع بدءاً من العائلة وحتى مستوى الدولة لكن لا يمكن تخطي الأفق.. لأن شريعة الغاب حينها هي التي ستحكم وهذا سيؤدي إلى ظلمٍ أكبر وجورٍ أكثر.

وهنا لا بد من الفصل الجيد في الشارع بين المتظاهر السلمي وذاك المخرب المسلح الذي لا يجوز أن يسمح له بالحرية في إطلاق رصاصه على البشر ولكلٍ منهم أبٌ وأم وعائلة تبكي موته أو إصابته سواء كان موظفاً في الجيش والأمن والشرطة أو مدنياً.. إن خلط الأوراق اليوم هو المشكلة الكبرى حيث دخلت الطلبات المحقّة في دولاب الإرهاب والدم والمؤامرة الخارجية التي تستهدف الوطن أي نحن.. كل واحد منا هو مستهدف ومتأثر.

لو كان ما يحدث ثورة حقيقية صادقة الهدف فيجب أن تكون عاقلة واضحة الطلبات لها حدود تؤطرها مصلحة سورية بعيدة عن التعصب الطائفي أو الحزبي, تحدد ما تريد ولا تزيد عليه, تعطي الفرصة لتحقيق مطالبها, وترفض الاختلاط بمن يخرّب ويحرق ويذبح ويدمّر ويرعب السكان الآمنين, والأهم أن ترفض أي يد خارجية تمدّ باسم المساعدة لأن الخارج لا يهمه في بلادنا سوى مصالحه الشخصية ولكلٍ في بلاده مشاكل تنتظر حلاً.. لن يحبنا الغريب كما تحبنا أمنا.. المساعدة الخارجية هي كذبة أستغرب حقاً أن البعض مازال يصدقها.

وبما أن الأوراق اليوم قد اختلطت لابد للوطنين الذين يعارضون ويطالبون بالإصلاح والحرية أن يقفوا مع الوطن أولاً لإنقاذه من الفتنة والضياع والوقوع في شبكة العنكبوت السام, ثم يساهموا في علاجه من أمراضٍ لا يخلو منها أي وطن ولو بنسبٍ متفاوتة للنهوض به بمساعدة الدولة إلى الأعلى.


د. لين غرير، زاوية "بين السطور"، (أن تكون وطنياً)

خاص: مرصد نساء سورية

شارك المقال مع أصدقاءك..
Top