افتتاحية المرصد

"أعرف أن علي أن أدفع ثمن خطاياهم جميعا لمجرد أنني امرأة"

هذه الكلمات خطتها أصابع صبية في "معهد تأهيل الفتيات بدمشق"، المكان الذي اعتدنا النظر إليه دائما على أنه مكان "لحجر الطفلات الخطيرات على المجتمع وأخلاقه"! الطفلات اللواتي لم نكتفي بأن مارسنا كل قمعنا وعنفنا وشرنا عليهن، بل عدنا لنؤكد "طهارتنا" عبر حجرهن وإبعادهن! ثم مرة أخرى وأخرى عبر تأكيدنا المثير للشفقة في الندوات والمحاضرات والدراسات أنهن "جانحات" بالفطرة! ثم مرات ومرات عبر منعهن من أية إمكانية لتطوير أنفسهن، أو مساعدتهن في ذلك، عبر جعل تلك "المعاهد" سجونا تحلو أمامها السجون الحقيقية!
هذه كلمات قد لا يصدق المرء أنها مكتوبة ممن عانت أولاً، من الحرمان من التعليم! ثم من الحرمان من أي من حقوقها الإنسانية، ومن حقوقها كطفلة، وحتى من حقوقها "كمواطنة"! كما جعلناها قسرا عما أردات، وعما يجب أن يكون!
.....

يجب القول أن الكلمات هذه لم يكن يمكن أن تكتب لولا الجهود التي وضعتها الجمعية الوطنية لتطوير دور المرأة، منذ أن بدأت شراكتها مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في إدارة المعهد، تلك الشراكة الصعبة والمتعبة والشاقة..
تلك الجهود التي لم تبنى فقط على تعب ومثابرة بعض عضوات الجمعية اللواتي بات المعهد بيتهن الثاني فحسب، بل أيضاً على تعب ومثابرة وإيمان بعض المتطوعات والمتطوعين الذين لم يتوانوا عن تقديم الكثير لهؤلاء الفتيات، إيماناً من الجميع أن أخطاءهن، حين يكن فعلا قد ارتكبن أخطاء، هي مسؤوليتنا جميعاً! فكيف وقد بدا واضحاً أن الكثيرات منهن لم يخطئن، بل نحن جميعا: أسرهن وحاراتهن ومدارسهن، ثم مجتمعنا وأنظمتنا وقوانينا..هي من أخطأ بحقهن؟!
والرسالة هذه هي لإحدى هؤلاء المتطوعات اللواتي رأينا بأم العين أية جهود يقدمن، وأي التزام! وهن القادرات، مثلهن مثل الكثيرات والكثيرين من أصحاب المنصات والكوكتيلات، على أن يكن "واجهة اجتماعية"!
هذه الرسالة كتبت للسيدة أسماء كفتارو.. والتي يشرفنا أن نقول لها، ولجميع اللواتي والذين يعملون على أرض الواقع: شكرا.. من القلب.

*- تُركت الرسالة كما هي، بأخطائها وعلامات ترقيمها وتسطيرها كما هو..
"نساء سورية"

أهدي هذه الكلمات
الى أمي وحبيبتي وأغلى شيء عندي في الدنيا كله
مملكة الياسمين والضوء
اليها
في لحظة حنين الى الياسمين
إلى أسماء كفتارو*
رسالة بلاغ رقم (1) الى أمي أسماء لأنني لم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب مملوءة بدواء مخدر، لأنني ولدت بسعال مقلق كنحل الأسئلة وبين يدي محبرة تشبه اللغم وقلم يشبه السكين قرروا أني طفلة مفخخة بالمجهول الا اذا استطعت اثبات براءتي كل يوم كل يوم ،أهرب منهم الى سفينة نوح في طريقي أرى قابيل وهابيل وآدم يراقص الأفعى متهما حواء بخيانته مع تفاحة، ابليس يعزف على قيثارته نيرون يصفق معجبا وهو يدخن المدينة في غليونه، عطيل يقتل ديمونه أهرب وأنا أعرف أن علي أن أدفع ثمن خطاياهم جميعا لمجرد أنني امرأة
ها أنا أعلن البلاغ رقم (1)على قدر التثاؤب والغبار أفتح أبواب سور روحي لتنطلق أصواتي هاربة، وتهرول حيواتي الداخلية بعيدا عن أعضائي المقيدة بقميص المجانين، ها أنا أتقمص قلما ينزف حبره بهدوء وهو يتعلم كيف يترجم شهيته للطيران صوب المستحيل الى لغة مكتوبة فوق البياض من اللامتناهي للورقة
فالنساء والزنوج والعبيد السخرة يحلون بالتحليق أيضا
من ابنتك شاديا
دنياك لا تجتذبني وها أنا أهبط من الطائرة وأمشي في مطار مدينة جديدة بين لافتات المتقبلين لزوار مجهولين وأحمل في يدي لافتة كتب عليها : لا أعرف أحدا ولا أنتظر مخلوقا ولا أريد شيئا غير حريتي لا تسلني عن اسمي ربما كان لا أحد لا تسلني عن وطني ربما كان أسمه أوراقي لا تسلني عن حبيبي ربما كان أسمه النسيان لا تسلني عن أبي ربما كان أسمه الغربة سلني عن أسماء وحدها أعرفها جيدا وأسمها الأم والحنان وهي التي تنجب الخير وهي الحرية.
ابنتك شاديا

*- السيدة أسماء كفتارو، رئيسة منتدى سوريات الإسلامي، ومدرسة متطوعة في معهد تأهيل الفتيات بدمشق.

"أعرف أن علي أن أدفع ثمن خطاياهم جميعا لمجرد أنني امرأة"

خاص: "نساء سورية"

0
0
0
s2smodern