افتتاحية المرصد

حدّ السكين يصل إلى رقبة الهيئة السورية لشؤون الأسرة!

نعم، يبدو أن أصحاب المصلحة في محاولة فاشلة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لم يكتفوا بما فعلوه حتى الآن تجاه المنظمات والجمعيات والأفراد العاملين في قضايا مجتمعهم: سورية! فقرروا الآن أن يوسعوا من المعركة حتى طالت اليوم الهيئة السورية لشؤون الأسرة!
وقبل أن نسرد ذلك، لعله من المفيد التذكير أن هذه "المعركة" قائمة فعلاً منذ بعض الوقت. وكالعادة: بدلا من أن تستند إلى الحوار والمحاججة والتعاون البناء لأجل دراسة وبحث قضايا المجتمع، ومحاولة إيجاد حلول مناسبة، يلجأ القائمون عليها وأصحاب "المصلحة" فيها إلى أساليبهم المعتادة التي تستند أولاً إلى تداخلات "غامضة" هنا وهناك! وبينما يدّعون الحرص على مصلحة المجتمع، وعلى سمعة البلد، فإن ما يفعلونه هو بالضبط المساهمة في مفاقمة مشاكل المجتمع عبر تجاهلها، والإساءة لسمعة سورية عبر إظهارها بلداً متخلفاً لا يعرف كيف يبحث أو يعالج مشاكله!...  >>


وقد تجلت هذه المعركة بأشكال مختلفة، لم تبدأ مع التعميم الغريب لرئاسة مجلس الوزراء بمنع الجهات الرسمية من التعامل مع داري نشر هما بترا وإيتانا على خلفية مؤتمر المرأة والتقاليد الذي عقدته بنجاح لافت دار إيتانا! وتلا ذلك حوادث عدة سبق أن تحدثنا عن بعضها (اقرأ المادة..)! ثم مورس ضغط شديد على جمعيات بعينها لتوقّع تعهدات بالامتناع عن العمل لوقت معين! وضغط على جمعيات أخرى لتتوقف عن التعاون مع "غير المرغوب فيها!!" من الجمعيات العاملة في قضايا المرأة!.
ومنعت وفود من المشاركة في ورشات عمل وندوات خارج سورية، بضمنها كان منع سفر الوفد السوري إلى الورشة الدولية حول "جرائم الشرف" التي كان لـ"نساء سورية" دوراً أساسياًُ في تنظيمها ونجاحها رغم غياب الوفد السوري عنها! بل ومنعت من السفر شخصيات رسمية من الواضح أن مشاركاتها كانت مميزة ومدافعة عن سورية وعما أنجز فيها من تقدم! ثم منعت ندوات وورشات عمل سبق أن حصلت على "الموافقات" الرسمية! وعطلت ورشات وندوات عبر رفض منحها الإذن بالانعقاد رغم عدم وجود أي مبرر من أي نوع لهذا الرفض!! وجميع هذه الورشات والندوات كانت متعلقة حصرياً بقضايا الأسرة والمرأة والطفل، وليس لها أية علاقة بالسياسة بأي معنى من المعاني!
إلا أن ذلك "الغامض" الذي يعرفه الجميع، ويعرفه المسؤولون والمسؤولات قبل غيرهم! لم يكتف بذلك. إذ وصل اليوم إلى مستوى جديد كلياً عبر توجيه الحربة إلى هيئة رسمية سورية هي بمثابة وزارة وفق قانون تأسيسها!
فالهيئة السورية لشؤون الأسرة، وفق المادة /1/ من قانون تأسيسها، هي : "هيئة عامة تسمى الهيئة السورية لشؤون الاسرة مقرها دمشق وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والاداري وترتبط برئيس مجلس الوزراء مباشرة." (اقرأ القانون...). وهذا يعني أنها مستقلة في قراراتها وإدارة عملها وأيضا في كادرها الوظيفي وسياساتها ضمن ضوابط قانون تأسيسها. أي أنها "وزارة" بتسمية مختلفة وهيكلية مختلفة.
والهيئة، منذ أطلقت في  14/12/2003، وخاصة منذ أواخر 2004، حين بدأ نشاطها العملي، أنجزت في زمن قياسي جملة من المهام الصعبة حقاً، يقف على رأسها إنهائها حالة "النعامة" فيما يخص قضايا المرأة والطفولة والعنف ضدهما في سورية. فعبر سلسلة من ورشات العمل الدؤوبة داخل الهيئة، وسلسلة أخرى مع الجهات الحكومية المختلفة، ومع الناس مباشرة، أطلقت الهيئة حواراً واسعاً حول هذه القضايا. وسلطت الضوء على واقع الأسرة في سورية بعيدا عن الشعارات التي لم تفعل سوى أن تفاقم من المشاكل عبر تجاهلها. وليس دون أخطاء ولا دون عثرات، شقت الهيئة طريقها الصعب نحو تعديل القوانين التي باتت وصمة عار على جبين بلدنا بتمييزها الصارخ ضد المرأة، أو بتكريسها العنف ضدها، وخاصة بقبولها، وقبول الثقافة السائدة، بالعنف ضد الأطفال.
ويعرف الجميع أن هناك جهات حكومية وغير حكومية لم توفر جهداً لإعاقة هذا العمل وتخريبه بكل الوسائل المتاحة لها! والتي لم تتضمن يوماً حواراً علنياً ولا محاججة تعتمد العقل والمنطق! كما يعرف القاص والداني أن هذا العمل قام على جهود عدد كبير من الأفراد والجهات التي لم توفر إمكانية لمساندته، سواء كانت حكومية أو غير حكومية. وفي القلب من هذه الجهود كان هناك فريق رباعي يتكون من الأستاذة سوسن زكزك التي كانت معنية بملف الشباب، والأستاذة صباح الحلاق المعنية بملف المرأة، والأستاذة رانيا الحاج علي المعنية بالخطة الوطنية لحماية الطفل من العنف. وتقود هذا الفريق، وتشارك في عمله، د.منى غانم رئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة، التي صارت غنية عن التعريف. وهذا ليس من باب "المديح المجاني" أو "تمسيح الجوخ"! إذ تثبت صفحات هذا الموقع أننا لم نتوانى عن نقد ما رأيناه خاطئا في عمل الهيئة في أي من المجالات التي تابعناها. لكن انتقادنا ذاك لم يتضمن تقليلا من أهمية العمل الذي تقوم به الهيئة، ولا من أهمية الجهود التي يقوم بها كل من أعضائها على حدة، بدءا من السائقين، ومرورا بجميع الموظفين والموظفات، وأيضا الجمعيات والأفراد الذين تعاونوا مع الهيئة في هذا العمل أو ذاك.
هذا الفريق، استطاع أن يقود عملاً كبيرا خلال زمن قصير. ففي أقل من عامين عمليا، تم الوصول إلى مجموعة من الدراسات القيمة جدا في مجالات مختلفة (الأسرة، المرأة، الطفل، الشباب). وتم الوصول إلى مشاريع تعديل قوانين هامة جداً في مجالات مختلفة متعلقة بالأسرة. كما أنجزت خطوات هامة في نشر الوعي العام بهذه القضايا، خاصة العنف ضد المرأة والعنف ضد الأطفال. بضمنها ندوات وورشات عمل كثيرة عقدت مع جهات معنية بهذه القضايا. وأخرى عقدت مع الناس مباشرة. وحملات توعية تضمنت برامج تلفزيونية وبوسترات وإعلانات طرقية. وخلال هذا الزمن كان واضحاً تطور عمل الهيئة، ومرة أخرى ليس دون أخطاء ولا دون  عثرات. ولعل الشعار الأخير الذي أطلق في ورشة عقدت أواخر الشهر الماضي: "حماية المرأة حماية للمجتمع" دليلا واضحا على هذا التطور.
هذا الفريق، الذي يعرف المقربون أنه تمكن من التنسيق العالي والعمل كفريق رغم كل الصعوبات، كان هدف الضربة هذه المرة.
إذ فجأة صدر قرار من مكان ما، (رفض المعنيون قول أي كلمة حول ذلك!) بإنهاء عمل كل من الأستاذات سوسن زكزك وصباح الحلاق ورانيا الحاج علي! ويبدو أن ذلك تم دون أية مبررات! وهذا سلوك طبيعي. فالمبررات تعني مسؤولية كاملة عن القرار! وهو ما لا يرغب به من اتخذ القرار. لأن المسؤولية هنا تعني مواجه عقلية مع المبررات!
نعم، هكذا ببساطة، فسخ عقد سوسن زكزك مع الهيئة السورية لشؤون الأسرة، وأنهى انتداب صباح الحلاق للعمل مع الهيئة، وكلتيهما واكبتا عمل الهيئة منذ إطلاقها! وأنهي انتداب رانيا الحاج علي (وعلمنا مؤخرا، دون أن نتمكن من التأكد، أنه أعيد النظر بإنهاء انتداب رانيا الحاج علي وعادت إلى عملها في الهيئة)! وتم رمي هذه الخبرات التي بنيت على أساس من أن زكزك والحلاق هما أصلا من الناشطات القديمات في هذه القضايا، ويحملن خبراتهن الكبيرة والمشهود لها في هذا المجال، إلى قارعة "المصالح" التي لا تتضمن أية "ذرة" من مصلحة المجتمع السوري!
لعلها المرة الأولى التي نتحدث فيها بمسائل من نوع فصل موظفة، أيا كانت. لكن الأمر هنا لا يتعلق بفصل موظفة. ولو أن الأمر متعلقا بعملهما الوظيفي، أيا كانت الأسباب، لما حملناه ما قلناه أعلاه. لكننا نعرف أن الأمر ليس كذلك. بل هو "حركة" مقصودة لـ"قصقصة" أجنحة الهيئة السورية لشؤون الأسرة، عبر إفراغها من كوادرها النشطة ذات الخبرات! ومن خلفها ضربة قوية للمنظمات والجمعيات العاملة في هذه القضايا، تكمل الضربات الأخرى التي باتت متسارعة وكثيرة في الفترة الأخيرة!
ولسنا هنا ناطقين باسم أحد، ولا ندافع عن أحد! بل، وبكل وضوح، نعبر عن قناعتنا العميقة التي سبق أن أكدناها مراراً: نحن ندافع عن حقنا جميعا، جهات وأفراد، حكومية وغير حكومية، بطرح قضايا مجتمعنا ونقاشها والبحث عن سبل لحلها، عبر الحوار العلني فقط. ولا يمكن لهذا الحق أن يكون حين تعتقد هذه الجهة أو تلك أن المجتمع هو "ملكيتها الخاصة"! وعلى أي رأي أو فكرة أو نشاط أن تمر عبر طاولتها! وإذا كان من حق أي جهة أو فرد أن يعتقد ما يشاء، فإنه ليس من حق أحد أن يصادر حق الآخرين بالمشاركة في قضايا مجتمعهم. هذا قول أساس فيما نعتقد.
وقد تستطيع تلك التدخلات والمحاولات أن تعيقه بهذا القدر أو ذاك، أو أن تسبب له بعض الإرباكات، لكنها تدخلات محاولات محكومة بالفشل. ليس فقط لأن أحدا لا يستطيع أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، بل أيضاً لأن هذا المجتمع هو مجتمعنا جميعا بالقدر ذاته. وحقنا، بل وواجبنا، في المشاركة في دراسته وتطويره هو حق أساسي وواجب أساسي كفله لنا الدستور، كما كفلته كافة الشرائع والعقائد والاعتقادات السامية، سماوية كانت أم أرضية. ولسنا في وارد التنازل عنه، ولا يسعنا إلا أن نمارس هذا الحق، وهذا الواجب.
بسام القاضي، مشرف مرصد نساء سورية- (من صاحب المصلحة في "قصقصة" الهيئة السورية لشؤون الأسرة؟!)- عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

خاص: "نساء سورية"

0
0
0
s2smodern