أطفال الحرب: سوريون رغم أنف الذكور!

خبا النقاش حول الأطفال السوريين الذين خلفتهم الحرب، مع خفوت الصوت الذي حاول أن يدفع مجلس الشعب لاتخاذ قرار كان سيسجل في تاريخه على أنه "يوم أسود" لو فعلها! قرار بحرمان أطفال سوريين من جنسيتهم، فقط لأسباب طائفية-سياسية، وإن تلطت، كالعادة، بلبوس الحرص على الوطن.

لكن القضية نفسها ما تزال كما كانت قبل عشرات السنين: من أين يستمد الطفل جنسيته؟ أو لنقل، بدقة أكبر: حقوقه وواجباته في وطنه؟

يعرف الجميع، أنكروا أم أقروا، أن النسب الوحيد الصحيح هو النسب إلى رحم الأم. فأن يكون "زوجا" لا يعني أبداً أن يكون هو الأب "البيولوجي" لأطفال الأسرة. فذلك مبني فقط على "الثقة"!
أما أبناء الأم، فهم أبناؤها حكماً. فهي التي تحمل اليقين بأنهم من رحمها. ولا يحمل رجل على وجه الأرض اليقين أنهم من صلبه!

مع ذلك ما زال الذكور في كثير من بقاع الارض يصرون على أن الأطفال يتبعون جنسية أبائهم! خاصة تلك الدول التي ما زالت ترفض تحليل الـ DNA كدليل علمي جنائي، وتعتمد تلك الصيغة التافهة المتوارثة التي يلعن بها كل من الأبوين نفسه على رؤوس الأشهاد!

واليوم، مئات الآلاف من الأطفال ولدوا في سورية لأباء "مجهولين" أو "تم تجاهلهم"! وتم التركيز على أن أولئك الآباء هم "إرهابيون أجانب"! وتلك مغالطة يعرف القاصي والداني أنها خدعة. فالكثير جداً من الإرهابيين الأجانب جاؤوا بزوجاتهم معهم، ولا يفرطون ببذرتهم "المقدسة" مع غير نساء "وطنهم"! إضافة إلى أن 70% ممن حمل السلاح ضد الدولة السورية هم سوريون، وليسوا أجانب، عربا أو شيشانا أو غير ذلك.

وهؤلاء، وفق الدستور والقوانين السورية، هم سوريون حكماً لأن أباءهم سوريين. لا فرق أن يكون بينهم عتاة المجرمين باسم الله، أو عتاة المجرمين باسم السلطة، أو عتاة مجرمي المخدرات مثلاً، أو أشرف شرفاء الأرض.

لكن عدم إمكانية الأمهات المستضعفات أصلاً على إثبات نسبتهم لأبيهم، وارتفاع منسوب النفاق الوطني، دفع البعض للصراخ بحرمانهم من الجنسية السورية!

في الواقع، فإن عدداً لا بأس به من الأطفال السوريين مجهولي الأب، هم أطفال لذكور سوريين مواليين للنظام، سواء كانوا قد بذروا بذرتهم في ظروف الحرب الخاصة إبان المعارك، أو بذروها في استغلال قبيح ومنحط لسلطاتهم الطائفية أو السلطوية في أرحام نساء مهجرات فقيرات وجاهلات، أو بذروها في استغلال قبيح لنساء لسن مهجرات ولا فقيرات، بل مجرد حالمات، بالأحرى واهمات! وكلنا نعرف هذه الحقيقة مهما حاولنا تجاهلها.

مئات الآلاف من الأطفال اليوم بذرتهم هذه الحرب، على الأرض السورية، ولأمهات سوريات، ولآباء غير معروفين بالاسم، لكننا نعرف جميعاً أن أغلبهم سوريون. ومع ذلك، هناك من يريد حرمانهم من الجنسية!

وقبلهم الآلاف من الأطفال الذين ولدوا لأمهات سوريات تزوجن بذكر غير سوري، فحرم أطفالهن من الجنسية السورية فقط لأن الثقافة الذكورية المنحطة حي التي تحكم في سورية. لا المساواة ولا المواطنة التي لا تكون أبداً دون المساواة بلا تمييز على أساس الجنس أو الدين أو العرق أو اللون أو القومية أو..

ولجميع هؤلاء الأطفال حق مقدس بالتمتع بالجنسية السورية. حق لا ينتقص منه ارتفاع منسوب الذكورة الناجم عن الحرب، أو عن النفاق الوطني. حق لا يحق لكائن على وجه الأرض حرمانهم منه.

ولا ينفع اليوم مع هذا الحق أن يتكرم أحد عليهم به، أياً كان. بل حان الوقت للتخلص من النص المتخلف الذي ينظم الجنسية السورية على أساس النسب الموهوم للأب حصراً. حان الوقت لنعدل هذا النص فيقول بلا لبس: تمنح الجنسية تلقائياً لأي طفل مولود لأب سوري أو أم سورية.

بل إن ذلك لم يعد يكف مع عدد كبير من الأطفال الذين قتل أباؤهم وأمهاتهم، أو اختفوا بكل بساطة.. لذلك يجب أن يتضمن قانون الجنسية إضافة أخرى: وأي طفل يوجد على الأرض السورية دون أن يعرف أبواه، هذه الإضافة التي يجري العمل بمضمونها عمليا، لكن بطريقة متخلفة، فلطالما تمتع الأطفال الموسومون بـ"لقطاء"، أي الذين وجودوا في الأرض السورية دون أب أو أم، بالجنسية السورية.

ذلك هو الحق الأساس. أما كيف سيشب هؤلاء الأطفال، وهل سيصيرون إرهابيون كما يريد لهم الإسلام السياسي (معتدلاً ومتشدداً، فهذا ليس سوى لعب بالألفاظ)، أو مجرمون نهابون كما يريد لهم أباؤهم المجرمون النهابون، أو.. فهي مسؤوليتنا وحدنا، نحن "الكبار"، بل وأولاً، و قبل الجميع، مسؤولية النظام ومؤسساته جميعها، ضمناً "مجلس الشعب" الذي أراد البعض أن يكون منصة لحرمانهم من وطنهم، وجنسيته.


افتتاحية مرصد نساء سورية، 2018/11/7


شارك المقال مع أصدقاءك..
Top