جرائم الشرف

يتغذّى سنوياً بدم أكثر من 5,000 طفلة وصبية وأم، كما يقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان، من دون أن يؤرقه نور الصباح، كما تخبر حكايات مصاصي الدماء، ويُذكر في نصوص القوانين ومرافعات الدفاع، ولا هوية له أو تعريف، يتصدر عناوين الاخبار والتحقيقات والدراسات ولا أحد يعرف أين هو، رفع سوريا الى المرتبة الخامسة في العالم بجرائمه، ولا اعتراف رسمياً بوجوده.
- نرحب بك، بداية أأناديك سيد أم سيدة "شرف"؟
- ما هذا السؤال البلاغي؟ ألا تبهر أبصارك كل هذه الفحولة المتجلية بملامحي؟
- اعذرني سيد "شرف" لكننا لا نسمع بك إلا عندما يتعلق الامر بأنثى.
- التاء المربوطة اختصاصي، وغذاء رجولتي، لكنها بالتأكيد ليست من صفاتي.
- صفاتك؟ وهل لك صفات محددة؟
- طبعاً، أنا كائن مثير، ولي، كما لاسمي، وقع مغرٍ في النفوس، وتوقيعي أساسي على شهادة حسن السلوك المخصصة للرجال الرجال.
- أتقصد بـ"الرجال الرجال" قاتلي زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم والذين يقدّمون لك 300 قربان سوري ومثلها مصري وأردني كل عام؟
- أقصد بهم حاميي من العار وصائني اسمي من التلطيخ، أولئك الذين عشت بأدواتهم الحادة وأسلحتهم قروناً، والذين يحتفلون ويزغردون مع كل وجبة حمراء يقدّمونها اليّ على مذابح الانسانية.
- وماذا عن الصدق والاستقامة والاخلاق والامانة؟
- آه... ذلك "الشرف"، لا لا دخل لي به، والعياذ بالله، إنه مجرد تشابه أسماء.
- هل تؤمن بالله؟
- طبعاً وإلا كيف تفسرين قتل رجالي لمن تتزوج من غير دينها، ودون رضا أوليائها، والفاجرات اللواتي لا يخفن الله ويمارسن الفاحشة من دون رادع أو وازع؟
- ما قولك إذاً في ما ذهب اليه رئيس مركز الدراسات الاسلامية الدكتور محمد حبش بأن القتل باسمك يخالف مبادئ الشريعة الاسلامية "من ثلاثة أوجه كلها من الكبائر: الزنا مجرّم بالاسلام وعقوبته ليست القتل، والجرم يثبت من دون بينة وهو أمر محرم في الاسلام، اضافة الى تولي الافراد تطبيق الاحكام الشرعية بدلاً من الدولة؟".
- أقول حسبي الاعراف والتقاليد ووكيلي قانون العقوبات الذي يعطي لرجالي "عذراً مخففاً" في المادة 548، و"دافعاً شريفاً" في المادة 193 ويقسم الجرائم الى "جرائم باسم العاطفة" أي تمسّ رجولة الرجال في أناثهم بالمادة 242، وجرائم فقط، لا تخص الرجولة في بقية المواد.
- سيد "شرف" أربكتني، هل أنت في الرجال أم في النساء؟
- أنا خاص بالرجال بالتأكيد، هل سمعت قبلاً أن امرأة قتلت زوجها الذي يخونها على سريرها وأمام عينيها لتحمي شرفها؟! أحلى مزحة والله!
- يعني لا يوجد شرف عند النساء؟
- المرأة هي عرض الرجل وشرفه، وعندما تسمح بأن تنتهك أو عندما تغتصب غصباً عنها عليها أن تتحمّل نتيجة هتكها لعرضه، فبراءتها أمانة موقوتة لا يملك جهاز تفجيرها الا الرجال.
- لكنها ليست وحدها في ذلك، أليس رجلاً هو من هتك عرض الآخر في هذه الحال؟
- هل تريدين أن نقتل كل رجل نشك بأنه على علاقة مع امرأة؟ ها... ها... قولي أنك تريدين التخلص من رجالي الرجال وتحولين العالم جزيرة أمازونية... ها... ها... ها.
تعلّمي يا صحافية... لا علامة مميزة تعلق وتلتصق بالرجل عند هتكه الاعراض، على عكس المرأة، فعندما نريد أن نمحو آثار "التعليم" على رجولة الرجال والنيل من عرضهم، نمسح العلامة من وجه الارض.
- اذاً القصة كلها تتعلق بخصائص جهاز التكاثر المختلفة ووجود غشاء البكارة، وهذا يعني أنك موجود في مهبل المرأة، ولهذا أول ما يقوم به الطب الشرعي هو فحص عذرية المقتولات باسمك؟
- أخبرتك ان الغشاء هو راية الشرف التي يعلّقها رجالي على شواربهم، لكن هذا لا يمنع القتل الاستباقي للعذارى اللواتي شك بأنهنّ سينتهين الى تلطيخ هذه الراية وتنكيس شوارب الرجال! ألم تقرأي دراسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر والتي اشارت الى أن 70 في المئة من جرائم الشرف لم تقع في حال تلبس وانما اعتماداً على الشائعات، والاحصائية التي أكدت أن 80 في المئة من ضحايا جرائم الشرف في الاردن عذراوات؟ يا هيك الضربات الاستباقية للدفاع عن حصني يا إما بلا!
- "فتى في الـ15 يذبح شقيقته ثم يثقب رأسها برصاصتين"، "أب يقتل ابنته بست رصاصات و48 طعنة أمام زوجها"، "زوج يشنق زوجته ويقطّعها لأنه يشك باتصال جاءها"... هذه بعض العناوين من أخبارك، لماذا كل هذا الغضب والحنق والعنف والسادية؟ أتستمع به؟
- أنت تحاكمينني كسفاح متوحش، أنا لست مجرماً، أنا الانتشاء الذكوري بفحولته عندما يتغنّى باسمي المرتبط بحريمه، أنا تذكرة الرجال الى جنّة الدنيا المزينة بالاكبار المجتمعي والخصال الرجولية، أنا باني المجتمعات السلطوية الذكورة وحاميها من انتشار الفحشاء والمنكر وضياع النسب، وضابط فجور حواء وإغوائها والذي يجر رجلنا الى جهنم الخلود، أنا العسكري المدني الذي أُثقل كاهلي بنجوم وهلالات البطولة في معارك الشرف، أنا الذي أتلطّخ بالشُبه وأغسل بالدم.
- أتتباهى بانتصارك المؤزّر على من تسميهن "حريم ضعيفات"؟ وماذا عن عدوك، أم تسقط إحدى نجومك أمام العريضة التي وقّع عليها 10 آلاف ناشط سوري للتصدي لك؟
- "بقتلهن أنا لا أنتصر عليهن فهنّ أساساً لسن ندّاً لحربي، وإنما أنتصر على الرجل الذي نال من عرضي" هكذا يفكر رجالي الرجال، أما بالنسبة للعريضة، هل تصدقين من كل عقلك أن رجالي الرجال يستخدمون عقلهم المتحجر وأيديهم المتخشبة لفتح الانترنت وقراءة البيانات، أيكون هذا بعدما يأكلون "الكرواسان" ويأخذون درينك "هوت شوكوليت"؟ ها... ها... ها...
- قبل أن يأخذك نداء رائحة دم جديد، عليّ أن أسألك سؤال الصحف الرسمية الباهت الثابت: "هل لديك كلمة توجهها الى القراء الاعزاء بمناسبة يوم المرأة العالمي؟".
- المرأة هي نصف المجتمع والمنجبة لنصفه الآخر، فكما يقول المثل "بطن جاب الولداني، اطعموه لحم الضاني، وبطن جاب البنية أضربوه بالعصية وطعموه لحم بايت ولا تقولوا خطية".


زينة أرحيم، (حوار مع الرجل "شرف")

عن جريدة "الحياة"، (3/2010)

0
0
0
s2smodern