جرائم الشرف

اليوم يحل اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف, هذه العادة البربرية التي ابتلي بها مجتمعنا نتيجة سيادة الجهل وتساهل القانون في حماية المعتدي. في شوكوماكو نفتتح ملف جرائم الشرف في سورية، بنشر هذا التحقيق الذي يسلط الضوء على عينة من النساء اللواتي تعرضن لجرائم شرف في مدينة حمص : 

اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف
اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف
كثرت في حمص خلال الآونة الأخيرة حوادث ما يسمى "جرائم الشرف " التي ذهب ضحيتها فتيات في عمر الزهور لمجرد الشك في سلوكهن أو ارتباطهن بعلاقة عاطفية ما، ولأن " الشرف الرفيع " في مجتمعاتنا العربية "  لا يسلم من الأذى "  حتى يراق على جانبيه الدم كما يقول الشاعر، تدفع هؤلاء الفتيات أرواحهن جراء لحظة شك أو تهور .
 
 فما الذي يبرر ارتكاب جريمة لمجرد أن الفتاة ارتبطت بعلاقة عاطفية مع شاب ما، وهي الحالة التي يمكن ملاحظتها في الكثير من قصص جرائم الشرف، وهل جريمة الشرف عُرف أم قانون أم عادة أم تقليد .

حول الأسباب الكامنة وراء مثل هذه الجرائم وقصص انتقام الأشقاء لـ " شرفهم المهدور" كان لـ " شوكو ماكو" هذا التحقيق :

لم تكن المغدورة مريم الأسمر 22 عاماً تظن أن نهايتها ستكون على يد شقيقها الذي وافق على تزويجها من شخص لبناني، وعندما أعلنت عدم رضاها عن الزواج من هذا الشخص أقدم  شقيقها عدنان 24 سنة على ضربها بعنف من خلال كبل كهربائي بداية ثم قام بإحماء قضيب حديدي على نار مشتعلة حتى الإحمرار وأخذ يحرق جسدها به أمام مرأى زوجته إلى أن فارقت المغدورة الحياة.
 وذكر( طلال العلي 36 عاماً ) أحد جيران الجاني أنه أقدم على قتل أخته بسبب شكه في أنها على علاقة غرامية مع أحد الشبان الذي تقدم لخطبتها بشكل مفاجئ وبعد رفضها الاقتران بالشخص الذي أراده لها شقيقها الذي قام بدفن جثة شقيقته المغدورة في حفرة بمنزله ضمن مرآب سيارة خاص به, ثم وضع مادة " البيتون" لملء ثغرة الحفرة وطمس معالم الجريمة والحفرة .
 
وقام بعد ذلك بأسابيع بتبليط المرآب كاملاً بما فيها المساحة التي تحتوي حفرة القبر وأدعى أن شقيقته قد تزوجت من شخص لبناني ، لكن هواجسه لم تتوقف ، وكأن حركة ما استمرت في الحفرة طوال الوقت وظلت تقلق راحته وتعكر خاطره , مما دفعه بعد شهر من ارتكابه هذه الجريمة الشنيعة إلى تكسير البلاط مجدداً حتى وصل إلى أعماق  الحفرة التي تحتوي الجثة ولم يجد سوى عظام المغدورة فقام بجمعها في كيس وحملها إلى القرب من قرية جبورين ورماها  في نهر العاصي، ثم أعاد خلط التراب الذي أحاط بالجثة لينثره مجدداً ضمن المزرعة قبل أن يقوم بإعادة تبليط المرآب فوق الحفرة  مرة أخرى وهنا زفر الزفرة الأخيرة معتقداً أن الجريمة مرت بسلام . وتمكن عناصر البحث الجنائي من التقاط الحقيقة كاملة وكشف الجريمة بكل تفاصيلها بعد معلومات حصلوا عليها من زوجة الجاني الذي تم القبض عليه واعترف بقتل شقيقته قبل سنتين وتم إخراج بقايا عظام المغدورة من المكان الذي تم إلقاؤها فيه .
 
أحلام الطب ذهبت بضربة غادرة من شقيقها
  أما ( سمر شحادة ) فهي شابة في التاسعة عشر من عمرها متفوقة في دراستها كانت تحلم وتتهيأ لدخول كلية الطب لكن الموت فاجأها غدراً على يد أقرب الناس، "شقيقها" الذي سمع بأن شقيقته على علاقة عاطفية مع شاب يسكن في نفس الحي الذي تسكن فيه وعندما رآهما يسيران إلى جانب بعض وهما غارقان في الضحك غلى الدم في عروقه واتجه نحوهما وهو يحمل سكيناً كان يخبؤها تحت قميصه وراح يطعنها حتى الموت ، أما العشيق الشاب فولى هارباً تاركاً فتاته تتخبط بدمائها وقام القاتل بتسليم نفسه إلى أقرب مخفر شرطة لينال جزاءه العادل .
أما خليل حمدي ( 33 عاماً ) فقد قام بتهشيم رأس شقيقته وداد ( 22 عاماً ) بالحجارة لأنها اختارت أن تخرج عن تقاليد العائلة وأحبت شاباً دون رضى أهلها ووصلت الأمور حافة المنعطف عندما شاهد المتهم خليل شقيقته المغدورة عند مفترق طريق القرية جالسة مع شاب غريب يتبادلان الحديث سوياً فغلت نار الغضب في صدره ونزل من الحافلة التي كان يقلها ومشى باتجاه المكان الذي كانت تجلس فيه شقيقته مع الشاب الغريب وباقترابه منهما هرب الشاب باتجاه أراضي القرية بعد أن لاحظ الشر يتطاير من عيني المتهم خليل، وحصل تلاسن وعراك بين خليل وشقيقته المغدورة فقام بضربها بحجرة كبيرة على رأسها، وبعد أن تأكد أنها فارقت الحياة تركها جثة هامدة واتجه إلى قريته وقام بتسليم نفسه لأقرب مخفر شرطة معترفاً بفعلته وأن جريمته كانت بدافع الشرف .
كما قام ماهر العلي( 27عاماً ) بخنق شقيقته ( نجاة 18 عاماً )  للسبب نفسه، ثم رمى جثتها في نهر آسن بالقرب من القرية، وفي صبيحة ذلك اليوم احتشد عدد من الأطفال المتوجهين صباحاً إلى مدرستهم أمام منظر الجثة الطافية على سطح الماء وبعد مواجهة شقيقها بالأدلة المتوفرة، إعترف بأنه أقدم على قتل شقيقته لأنه علم أنها على علاقة عاطفية بشاب من قريتهما، وقد استبد به الغضب عندما بدأت أصداء هذه العلاقة تنتشر بين أهالي القرية فلم يتمالك نفسه فاصطحبها إلى مكان بعيد عن القرية وقام بخنقها بيديه حتى أزهق روحها ثم حمل الجثة وألقى بها في نهر قريب .
 
كما أقدم ( علي صابرين 43 ) على قتل شقيقته (علياء 32 عاماً ) بمطرقة على رأسها إثر تغيبها عن منزل زوجها لمدة ثلاثة أيام، حيث قام الزوج بتطليق المغدورة في اليوم الأول لغيابها.
 وأوضحت مصادر الشرطة أن الجاني حضر من تلقاء نفسه في وقت لاحق على وقوع الحادثة وبادر إلى تسليم نفسه معترفاً بما قام به وكشف تقرير طبي صادر عن الهيئة القانونية التي تولت التحقيق أن سبب الوفاة التهتك الدماغي الرضي الناجم عن الضرب بمطرقة .
 
 الباحثة الاجتماعية آمال عبد الرحيم – مدرسة في جامعة دمشق :
ترى أن البيئة الاجتماعية تلعب دوراً هاماً وخطيراً في مجال انتشار هذا النوع من الجرائم، لاسيما وأن الإنسان البسيط بوجه عام والريفي بوجه خاص يتأثر تأثراً عميقاً ببيئته لاعتقاده بأن سمعته تتوقف على ما يقوله الناس عنه وعندما تخرج الفتاة عن الطريق القويم تلوك الألسنة سمعتها وسمعة عائلتها ويصبح لزاماً على العائلة التخلص من العار بالقضاء على سببه فيقوم الأخ تحت تأثير ضغوط الفضيحة وأقاويل الناس بمهمة غسل العار وإراقة دماء أخته المنحرفة لإنقاذ شرف العائلة الرفيع.
 
 ومن الملاحظ – كما تقول آمال عبد الرحيم أن المرأة "المنحرفة" – حسب اعتقادهم - هي قضية يهتم بها بالدرجة الأولى شقيقها وليس زوجها إذا كانت متزوجة الذي نادراً ما يُعتبر بأنه المطالب بغسل العار الذي لحق بشرف العائلة وحتى في الحالات التي يغض فيها الزوج النظر عن خيانة زوجته له فأن الشقيق لا يغفر لها خيانتها ويتولى بالتالي أمر قتلها .

ويؤكد المحامي منير عباس لشوكوماكو  أن 75 % من  جرائم الشرف يرتكبها أشقاء الضحايا سواء كانت الضحية زوجة زانية أو فتاة منحرفة عن السلوك القويم ويلاحظ من خلال قائمة الجرائم أن الأب يأتي في المرتبة الثانية في غسل عار العائلة ويأتي بعده العم ثم ابن العم وأخيراً ابن الضحية نسبة ضئيلة ويُلاحظ أن نسبة أكثر من 80 % من مرتكبي ما يسمى " جرائم الشرف " هم من الأميين الذين لا يجيدون القراءة أو الكتابة ثم إن معدل سن الذين حوكموا لارتكابهم جريمة شرف منخفض جداً.
 ويمكن تفسير هذه الظاهرة كما يقول عباس بأن العائلة عندما تقرر غسل العار الذي لحق بها تكلف الأصغر سناً لأن دخله يكون عادة أقل من دخل الآخرين ويمكن الاستغناء عنه ويستفيد من الأسباب التخفيفية لصغر سنه .

 ويرى الشيخ فتح الله القاضي "مفتي حمص" أن ظاهرة العنف الأسري قديمة منذ   بدء الخليقة وهي غالباً ما تتعزز جراء التراكمات الاجتماعية ومرادفاتها إضافة لضعف الإيمان بالله عزوجل فيحدث الانحراف عن الطريق المستقيم وعن الفضيلة التي أمرنا الله أن نتحلى بها.
 
وتابع قائلا أن الشرع الإسلامي وسائر الشرائع السماوية لم تُبح بأن يأخذ الناس حقهم بهذا الشكل إذا افترضنا أن لهم حق فالمعاملة الحسنة والتربية القويمة والاهتداء بما أمرنا الله تعالى هي مقومات للارتقاء بسلوك مجتمعاتنا نحو الصلاح بعيداً عن العنف وآثاره المدمرة على مستوى الأسرة والمجتمع والحياة الإنسانية ككل .


- 29خالد عواد الأحمد، (..ذكرى اليوم العالمي للتضامن ضد جرائم الشرف : 75 % منها يرتكبها أشقاء الضحايا)

عن "شوكوماكو"

0
0
0
s2smodern