جرائم الشرف

"300 جريمة ترتكب باسم الشرف سنوياً في سوريا فقط"، "واحدة من كل أربع نساء سوريات عرضة للتعذيب الجسدي والنسبة الأكبر من هؤلاء النساء يتعرضون لذلك من الأقارب"، "سوريا الخامسة عالمياً والرابعة عربياً"، عند التوقف لقراءة هذه الإحصائيات، أتمنى أن أدفن رأسي في الطين !

قضيّة هذه الجرائم لم تعد محصورة في سوريا أو العالم العربي فقط، بل امتدّت إلى آسيا حيث تجاوزت الباكستان – الأولى عالمياً – ، لتصل إلى أوروبا فيما تنال العائلات العربية حصّة الأسد فيها ، هذه الإحصائيات، تدفعني لأن أجزم بأن العقلية الشرقية أو العشائرية والقبلية لا تنفكّ أن تسرّع في خطاها نحو الحضيض، بمساعدة القانون أولاً وأخيراً.
إن هذه القضيّة في سوريا على وجه التحديد لم تعد مستهجنة من أطياف المجتمع ( المنفتحة، أو الملحدة، أو العلمانية) فقط، بل تجاوزتها لتلقى معارضة شديدة حتى من الأطياف المتديّنة بشقّيها المسيحية والمسلمة, ولقلّة معرفتي بالديانة المسيحية ، أريد التحدث من وجهة نظر دينيّة إسلامية ، فجرائم الشرف لم يرد ذكر تحليلها لا في قرآن ولا في سنّة، كما أنّها محرّمة شرعاً
1- إثباتٌ للحدّ بغير بيّنة – والبيّنة هي شهادة أربع رجالٍ -.
2- القتل بغير حقّ.. وحكم الزنا – وليست كلّ حالات الجريمة مثبتة – ثمانون جلدة،
3- وأخيراً اعتمادٌ تشريعيّ على وليّ الأمر فقط ، وهذا أيضاً محرّم ، فإن كان هناك مشرّع لإقامة الحدّ فهو الدولة ومؤسساتها القضائية.وهنا لا أدري أيّ معجزةٍ قام عليها قانون يلتزم بحماية القاتل بحجّة الرغبة والشهوة، ولا أدري المعجزة الأكبر في استمراره لأكثر من ستين عاماً، دون أن يترك أدنى فرصة لأجساد فكّكها الغبار والزمن للإدلاء بحجّتها، التي ربّما ما كان فيها لها يدٌ ولا سبيل.
يقول المتنبّي :
لا يَسلَمُ الشَرَفُ الرَفيعُ مِنَ الأَذى حَتّى يُراقَ عَلى جَوانِبِـهِ الـدَمُ
نعم أنا لدي الاستعداد – دفاعاً عن شرفي - لأن أريق الدماء، كلّ الدماء… دمي دم أخوتي، أمي، وكلّ قرابتي، كل النساء – والرجال إن استدعى الأمر -سأسيل دمائهم دفاعاً عن شرفي !
ولكن سأريق الدماء بوجهة نظر الشهيد يوسف العظمة ، الذي نطق هذا البيت على مشارف ميسلون، في مواجهة الاحتلال الفرنسي، قالها خلال دفاعه عن شرفه وشرفنا جميعاً .. “الوطن”!
وهذا المؤلم في الموضوع أن مصطلح "الشرف" له جوانب أكبر وأسمى وأهم كثيراً من أن يتم حصره بين ساقي أنثى !
إن الشرف هو الأرض، هو الوطن والحياة والعمل والأحلام ، هو روح العائلة والمنزل، الصدق والأمانة والشجاعة والنقاء هم كلّهم شرف.
والقتل لحماية الشرف.. هو أكبر انتهاكٍ للشرف، وإن كان لرجلٍ أن يقتل ليحفظ شرفه، فليبحث عن شرفه الضائع أعلاه.

لا يوجد في أي دينٌ أو شريعة أو قانون إباحة لأيّ ذكرٍ بتنصيب نفسه وليّا على حياة الإنسان، وحتى إن كانت ابنته أو أخته أو زوجته، فليس ابن آدم من صنعها، إنّ الله أوجدها، والله خيّرها وسيّرها، والله وحده من يحاسبها، وما لرجلٍ قوامةٌ على أنثى إلا لحمايتها.
إن كان لي أن أقتل لحفظ شرفي، فلأقتل عجزي وجهلي أولاً، وإن كان لي أن أحاسب، فلأحاسب نفسي، ترتبط هذه الجرائم بالجهل، ذلك الطفل الأرعن، قاتل المحبّة ومخرّب الجمال، والجاهل إن منع، فهو يمنع لغاية المنع دون البيان، فقط لأنّه ذكر.
إن ردع جاهلٍ عن ارتكاب جريمةٍ بداعي الشرف، وتوضيح معنى الشرف له. يبدو كإقناع ستالين بفوائد الديمقراطية.
وأخيراً.. إن أطهر الأشياء لم يكتب لها أن تتماهى مع الأقبح.

هذه دعوة موجّهة مني – إن لاقت الوصول – إلى كلّ ذي مسؤولية … إلى إعادة نظره لمفهوم الشرف، إلى البحث جيداً في معاجمه عن هذه الكلمة، ومن ثم فليحاسب من يشاء كما يشاء..

ولكن.. بشرف !!


أحمد الزغبي، (في ذكرى 29 تشرين أول : لا يَسلَمُ الشَرَفُ الرَفيعُ مِنَ الأَذى حَتّى يُراقَ عَلى جَوانِبِـهِ الـدَمُ)

عن مدونة الكاتب الشخصية (10/2010)

0
0
0
s2smodern