جرائم الشرف

لم يكن غريبا أن لا يكون الأستاذ المحامي أحمد صوان بالجرأة الكافية ليعلن ما قالته كلماته في طياتها: نعم لقتل النساء السوريات تحت ذريعة "الشرف"! فكل امرأة تقتل هي ليست من "ملايين السوريات الفاضلات المتفانيات المثقفات الشريفات المخلصات"؟! فالدفاع عن القتل لا يحتاج إلى الجرأة فقط، بل يحتاج أولا إلى أن يخلع الإنسان وجهه كله، ويعود إلى حيث شريعة القتل هي الشريعة الوحيدة! والحق يقال: هذه مهمة صعبة جدا.

Imageفالأستاذ صوان، يستنكر ما نقوله عن جرائم العار المسماة بـ"جرائم الشرف"، والتي يدعمها ويشجعها القانون السوري الذي يعمل به الأستاذ صوان نفسه، عبر مادتين واضحتين صريحتين هما 548 (المرسوم 37 لعام 2009)، والمادة 192 من قانون العقوبات! وعبر قانون كامل مكتمل "من الجلدة إلى الجلدة"، هو قانون كان مناسبا ليوم من أيام تاريخ سورية الغابر، ولكنه بات اليوم، في القرن الواحد والعشرين، قانونا طائفيا يحتقر النساء ويشرع اغتصاب الطفلات! ويشكل الأرضية الخصبة لكل أشكال العنف والتمييز التي تقع ضد المرأة! وصولا إلى تمهيد الأرض لقتلها! فلماذا لا يقتل زوج زوجته وهي ليست إلا جارية متعة ومنجبة لأولاده حسب قانون الأحوال الشخصية؟ لا حق لها إلا بالطعام والشراب (المتعة!) وسقف يأويها (حتى "يأويها" هذه هي بإرادته وتصوراته ورغباته فقط)!

ولا يجد الأستاذ أحمد ما يسعف عقله للرد على ما نقوله، فيغرق في الشتائم والاتهامات، عادة مؤيدي العنف من كل صنف ولون، العاجزين عن تبرير عنفهم بصورة مجمّلة بعيدا عن حقيقته البسيطة والعارية: العنف هو سلوك همجي ينتمي إلى عالم الغابة، لا إلى عالم الإنسان.

يبدأ الأستاذ صوان كلماته الرادحة بالتساؤل عن "إلى متى السكوت عن هؤلاء التحريضيين"! فهل نحن تحريضيون؟ بكل تأكيد يا أستاذ.  نحن تحرضيون ضد كافة أشكال العنف الذي يمارس ضد المرأة والطفل. ببساطة لأننا انتقلنا من خانة البهيمية التي تعتمد العنف في العلاقات بين البشر، إلى خانة الدولة الحديثة، والمجتمع الإنساني الذي يكون فيه العنف جريمة، سواء كان عنفك ضد زميلتك في مكتب المحاماة خاصتك (فيما إذا ارتكبته طبعا)، أو عنف الأب نحو ابنته، أو أي عنف مبني على أساس التمييز الجنسي، أيا كان مصدره وشكله ومبرراته.

فالعقاب، كما يفترض أنك تعرف حين حصلت على شهادة الحقوق، وحين حصلت على شهادة "الأستذة" لتعمل محاميا، هو حق حصري للدولة. أم أن هناك قانون آخر يقول أن الدولة تقوم على حق الفرد بتحصيل ما يعتقده حقه بيده؟ إذا كان كذلك فإننا نرجوك أن تزودنا بهذا القانون لنتجاوز جهلنا! وبعد أن تزودنا به، أعلن استقالتك من مهنة "المحاماة" لأنه لا يعود لها أي دور ولا معنى (بالعامية: لا نكهة ولا مازية). أما إذا كان هذا الحق هو حصري للدولة، فلا يحتاج الأمر إلى ذكاء شديد لمعرفة أن جرائم العار تلك هي تفويض من الدولة عبر القانون للأفراد، ليس ليحصلوا "حقوقهم" بأيديهم فحسب، بل ليقتلوا أيضا؟ يا أستاذ: يقتلوا! هل عرفت يوما معنى هذه الكلمة؟ بكل تأكيد. فإدلب، مثل كل المدن والقرى الأخرى، ما تزال تتضمن أشخاصا يعتقدون أنهم ظل الله  على الأرض!

ويتابع: "ويوما بعد يوم يتجرأ موقع مرصد نساء سورية الذي نصب نفسه بوقا يطبل ويزمر لما يدعي أنه ظاهرة قتل النساء في سورية". حقا إنها لشهادة فخر كنا سنعلقها على الجدار لولا التوقيع الذي حملته. فأي فخر لمرصد نساء سورية أشرف من فخر أن تأتي هذه الشهادة من دعاة العنف والتمييز؟ شهادة أننا "نطبل ونزمر" ضد جرائم العار تلك؟ بالطبع لن نعلق على "يطبل و يزمر"، فاللغة في النهاية هي نضح الوعاء. ولا يمكننا لوم من لا يعرف سوى لغة العنف والتمييز أن يعرف الفارق بين التطبيل والتزمير، حيث تنتمي ثقافته، وبين مناهضة العنف عبر كشفه كاملا وإظهاره ودحضه والعمل على إنهائه من حياتنا التي باتت ساحة لكافة أشكال العنف من كل حدب وصوب، خاصة العنف ضد المرأة والأطفال الذي يؤيده الأستاذ صوان.

ثم يستعرض الأستاذ صوان كيف أننا نتهم السلطات الثلاثة: التشريعية والقضائية والتنفيذية. وكان يجدر به لو أنه صرف بعضا من جهده في تدبيج هذا الكلام للدفاع عن امرأة واحدة من مئات النساء المقتولات في مدينته (وبعضهن في قريته)، وآلاف النساء المقتولات على امتداد سورية خلال السنوات الماضية. بل كان يجدر به أن يصرفه في الدفاع عن آلاف النساء (وهو شخصيا يعرف جيدا عن ماذا نحكي هنا) الممنوعات من الزواج ممن يردن الزواج به، فقط لأنه، وأمثاله، سيصفقون للسكين وهي تذبحهن فقط لأنهن أردن أن يتزوجن ويبنين أسرة على الحب والكرامة والاحترام مع شخص لا يعجب "ولي أمرها".

مع ذلك، فقط الأستاذ صوان البوصلة على ما يبدو. لأنه فشل تماما في برهان أن ما قلناه خطأ. فمجلس الشعب يرفض حتى اليوم مناقشة إيقاف ذبح النساء في سورية! هل لديك دليل واحد على عكس ذلك؟ لا طبعا. والقضاء يخالف أبسط أدلة التحقيق مما لا يشك به من قريب أو بعيد ثم يكيف الجريمة على "جريمة شرف" ليطلق سراح القاتل وسط التهليل والزغاريد! هل لديك دليل واحد على عكس ذلك؟ لا طبعا. والسلطة التنفيذية تطلق القرار تلو القرار يهمش النساء ويحرمهن من أبسط حقوقهن (خاصة وزارتي العدل والأوقاف)، وترفض حتى مناقشة هذا الانتهاك الصارخ لقيمة الدولة الأساسية: حماية حياة المواطنين والمواطنات! فهل لديك أي دليل عكس ذلك؟ بالطبع لا. فماذا لديك إذا؟ قليل من الكلام السطحي المثير للشفقة. أو بالأصح: شيء ما يشبه تقاريرا نعرفها جيدا، وربما كان مكانها الحقيقي هناك، وليس على صفحة منتدى ما زلنا نأمل أنه سيكون يوما صوتا من أجل مستقبلنا المشرق الخالي من العنف والتمييز، وليس ساحة لهراء العنف واحتقار النساء (منتدى محامي سورية).

لكن السيد صوان، المتابع الجيد لمرصد نساء سورية على ما يبدو (أو، أيا كان من يتابع ويحشو)، يتابع القول أن سعاد القاضي، عضوة منتدى نساء سورية، "تمادت بالسخرية من المرسوم 37 لعام 2009" بقولها: "الحكومة السورية التي لعبت على الناس و حاولت الضحك عليهم بتعديل شكلي للمادة 548 من قانون العقوبات , المادة العار و التي باتت تحمل بالمحتوى الهمجي نفسه اسم المرسوم 37/ لعام/2009/ وتحت حماية المادة /192/ وهي المادة التي تعتبرها الحكومة السورية أداتها الرئيسية في انتهاك حقوق الدستور السوري"!
فلأتمادى أنا أيضا قدوة بأختي التي أعتز بها، وأعيد: نعم، الحكومة السورية فشلت في الضحك على النساء السوريات، لأنهن كشفن لعبتها في القول أنه "تلغى" المادة 548 من قانون العقوبات فيما هي لم تفعل سوى أن تعدلها! ولأن نطق المرسوم المذكور بأن العقوبة "لا تقل" عن سنتين في حالة القتل، ليس مثيرا للسخرية، بل مثير للعار فعلا! فأي حكومة هذه التي تشرع قتل النساء مع وعد بأن تكون العقوبة سنتين؟ وأي عار من حكومة تشرع، في المرسوم ذاته، أنه يمكن أن يكون أخفض من ذلك حتى البراءة إذا لم "تقتل"؟؟ أي أن "خردقة" جسدها بالرصاص، وتشويهها، وحتى بقائها في حالة الغيبوبة الدائمة نتيجة الاعتداء عليها (الكوما) لا يستدعي "الحد الأدنى"؟

لكن محاولتك غير الجريئة للعب على أنه "مرسوم" هي محاولة مثيرة للشفقة فعلا. ربما أنت لا تعرف أن المرسوم هو وسيلة تشريعية أخرى. وربما على نقابة المحامين التي تقيم الدورات للمحامين/يات المتدربين أن تدرج في برنامجها بندا تثقيفيا لبعض المحامين حول آليات التشريع في سورية. قد يكون ذلك مفيدا، والله أعلم.
لكن الأجدى، بكل تأكيد، أن يتضمن البرنامج تعريفا بحق بسيط وأساسي هو "حق الحياة"! فيبدو أن العديد من المحامين/يات ما زالوا يعتقدون أه هذا الحق يشبه حقهم بذبح نعاجهم! (حتى حق ذبح النعاج تم تحديده في بعض البلدان لكي لا تذهب اللحوم هدرا!).

وسورية تحتل المرتبة الأولى عالميا في ارتكاب جرائم العار التي تدافع عنها، نسبة إلى عدد السكان. فحكومتك نفسها اعترفت بـ 57 جريمة لعام 2009! وربما أنك تحتاج إلى بعض الوقت للحصول على معلومات تجدها عبر البحث الجاد لتعرف كيف أن سورية احتلت هذه المرتبة! وبما أنك ما تزال في إطار أخبار بعض المنتديات القديمة التي أكل الزمن عليها وشرب، فما تزال معلوماتك عند عام 2005 حول الأردن وباكستان وغيرها. وأنت معذور في ذلك. فالواقع أن هذا الأمر لا يهم من لا يهتم أصلا بحياة البشر. بل من يقول أن قتل النساء السوريات لا غبار عليه.

فهل أنت فعلا مع القتل؟
لسنا نضرب في الرمل! سنعيد لك ما كتبته يداك:
"و ما يثير الاستغراب أن مدير الموقع الذي ينشر هذه الأفكار و يتبنى هذه الدعوات قد شاهت عيونه عن ملايين السوريات الفاضلات المتفانيات المثقفات الشريفات المخلصات ,اللواتي يرفعن شأن الوطن في كل يوم ولم يشاهد من المرأة السورية إلا الفتاة المقتولة و السيدة المذبوحة"! هل تريد تحليلا بسيطا لهذا الكلام يعرفه طلاب اللغة في السنة الأولى؟ لا بأس: بما أننا لا نرى ملايين النساء الفاضلات المتفانيات المثقفات الشريفات المخلصات، وهن بالتالي على قيد الحياة ولم يذبحن، فهذا يعني أن من يذبحن هن خارج إطار "النساء السوريات الفاضلات المثقفات الشريفات المخلصات"! وبما أنهن كذلك (ترجموا كذلك كما تفهمون من كلامه الرصين!)، فهن يستحقين القتل، فلم يدافع عنهن مرصد نساء سورية؟

هذا قولك يا أستاذ أحمد صوان؟ هذا قولك الذي تقول فيه أن النساء السوريات اللواتي قتلن في كل مكان، من قريتك معرة مصرين، إلى آخر قرية في الجنوب والشمال والغرب والشرق، هن لسن فاضلات ولا مثقفات ولا شريفات ولا مخلصات! فمن هن إذا؟ لن نجبيك لأننا نخجل من مجرد وجود أحد، فكيف بمحام يرتدي ثوب القانون، يقول هذه الكلمات!

قبل أن يختم الأستاذ صوان، لا ينسى أن يعيد علينا تلك الأسطوانة المشروخة السخيفة والمقرفة عن "محاولة تشويه صورة المرأة السورية ونشر مظلوميتها أمام المحافل الدولية"! لا لثقافتك يا أستاذ أحمد. المحافل الدولية تعرف عن ما تلبس أنت أكثر مما تعرف أنت. على من تضحك؟ نحن في عالم مفتوح.
ومرصد نساء سورية، لمعلوماتك التي قد لا تفيدك، يتوجه للسوريين والسوريات، ولكن للسوريين والسوريات الذين يحلمون بغد يكونون فيه في مجتمع المواطنة الحديثة التي تحترم حياة كل منهم وحقوقه على أساس المساواة. وليس على أساس أي من الاعتبارات العنصرية القذرة التي بتنا نعرف جيدا ما تعنيه، من العراق إلى غزة، ومن أفغانستان إلى إيران، ومن القس الداعي لحرق القرآن إلى الحاخام الداعي لتنقيب النساء.. وبالطبع، هو يتوجه لمن لديه عقل يستخدمه. وعموما يستثني، للأسف، من أجر عقله أو باعه أو أنامه. ولا نشك، طبعا، أنك لست منهم. إذ نفترض، بمجرد كونك محام، أنك تسعى فعلا إلى تجاوز العثرة التي أوقعك فيها من أوقعك، وتعود لتكون مدافعا عن حياة الإنسان دون أي قيد أو شرط.

وبكل تأكيد، سنكرر معك جملتك الأخيرة: "سوريا لن ينال من مكانتها وسمعتها دعاة التشهير والتحريض لأن الزبد يذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"، ونضيف: لن تكون سورية لغير المواطنة، لن تكون  لدعاة العنف والتمييز الذين يسبحون في دماء النساء السوريات وهم يزغردون، ولن تكون لمن يقبض الملايين بخيانة ضميره لكي يساعد القتلة على إنجاز مشروعهم بقتل نسائهم. ولن تكون أبدا للذين يشوهون وجه سورية بترويج العنف والقتل وإبقاء القوانين البائدة. بل ستكون فقط لمجتمع حقيقي لا مجال فيه لعنف لا يتلقى صاحبه العقاب المناسب. ولحسن الحظ أننا متفقون هنا، على ما يبدو.. أم لا؟!


*- ملاحظة: لحسن الحظ أن حكومتك نفسها عقدت ملتقى خاصا سمته "الملتقى الوطني الأول حول جرائم الشرف"، أقرت فيه بهذه "الظاهرة"، وثبتت مطالب واضحة لا لبس فيها، منها إلغاء المادة 548 (والآن: إلغاء المرسوم 37 لعام 2009)، وتعديل المادة 192 بحيث لا تقل العقوبة بحال من الأحوال عن 15 عاما. فدمت إن قرأت. (انقر هنا لتقرأ.. إن أردت..)

*- ملاحظة ثانية: هنيئا لك بتلك التصريحات. لقد رددنا عليها في وقتها. ولحسن الحظ أن أصحابها أنفسهم توقفوا عن قول ذلك بعد أن لم يعد بالإمكان تغطية دم النساء السوريات المسفوح.. بغربال.

*- ملاحظة ثالثة: بما أنك لا تقرأ، أو تقرأ كما يحلو لك، فلعله من المفيد أن نقول لك أن اسمه "يوما عالميا" لأن مرصد نساء سورية يقول أن جرائم الشرف هي جرائم ترتكب في كل العالم، هنا باسم "الشرف" وفي بلدان أخرى باسم "الحب" أو "العاطفة" أو "الشغف".. وأن المرصد يقوم (وليس يطالب) بحملة عالمية لتكريسه يوما عالميا للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف أينما كان، في اليابان أو الولايات المتحدة، في السويد أو فرنسا أو سورية، في السويداء أو البوكمال أو اللاذقية أو إدلب. وليس حملة عالمية "للدفاع عن ضحايا جرائم الشرف من نساء سوريا" كما هيأت لك استماتتك في الدفاع عن القتل والعف ضد المرأة السورية.

*- ملاحظة رابعة: من يشوه وجه سورية هو من يحطمها من الداخل بتكريس العنف بكافة أشكاله ضد المرأة السورية (الضرب، والشتم، والاغتصاب الزوجي، والطلاق التعسفي، والحرمان من الإرث، وربط إرادة الزواج بإرادة الولي.... وأولا، وقبل كل شيء: بقتلها)! فانظر ما الذي يجب أن تقوله، وتفعله، لتسمح بعضا من التشويه الذي خلقه العنف الذي تبرره، ويبرره قانون العقوبات السوري.

*- ملاحظة أخيرة: 29/10 هو يوم أسود في تاريخ سورية. وسوف نبقى نعمل من أجل تكريسه يوما عالميا لكي يتذكر دعاة العنف والتمييز أن وقت رمي ثقافة الغابة خلف ظهورنا قد حان. وقت انطلاقنا إلى إنسانيتنا قد حان.

*- للاطلاع على ما كتبه الأستاذ صوان في منتدى محامي سورية.. الرجاء النقر هنا..


بسام القاضي، (ما الذي أثار الأستاذ أحمد صوان ليدافع عن القتل العار؟!)

خاص: مرصد نساء سورية

0
0
0
s2smodern