مرصد العنف والإعلام

مرات ومرات يحاول البعض الدفاع عن تحول الإعلام السوري إلى أبواق حرب وتحريض لا يصب إلى في خانة خراب البلد وتدميره، بمقارنة ما يفعله بما يفعله الإعلام العربي أو الدولي! وهي مقارنة أقل ما يقال فيها أنها "بائسة"، وتعبر عن مدى ضحالة الوعي الإعلامي لدى هؤلاء.

فأن تكون هذه الفضائية أو تلك، هذه الإذاعة أو تلك، ممن هي ليست بسورية، تفعل ما تفعله من تحريض وتجييش (مع  أن أكثرها قد عدل فعلا من خطابه خلال الاسبوع الماضي)، فهذا أمر لا يرتب علينا أن نكون في الموقع نفسه، والطبيعة نفسها. فتلك القنوات، كما تقولون، لديها أجنداتها ومخططاتها وولاءاتها، فهل لكم أنتم أيضا أجندات ومخططات وولاءات؟! أم أن سورية فقط هي التي يجب أن تكون أجندتكم ومخططكم وولائكم؟!

إذا كانت إجابتكم هي الأولى، فأنتم لستم سوى أمراء حرب آخرين، لا يهم أي علم ترفعونه، لأنه لن يكفي لكي يكفن ضحايا ما تفعلون..
أما إذا كانت إجابتكم هي الثانية، وهي ما نأمله وننتظره منكم، فيجب أن ترفوا راية المسؤولية في الحد من العنف والتوتر والتحريض والتجييش.. لأن هذا، أيا كانت شعاراته، لن يوصل إلا إلى المزيد من حقن النفوس وتوتيرها ودفعها إلى حافة الانفجار. بل ويقدم خدمة مجانية لتلك الأجندات والمخططات (في حال وجودها)، كمثال ساطع وناصع للمستوى الذي وصل إليه الإعلام السوري من انعدام المسؤولية..

والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصي، وإن كان يجب علينا أيضا أن نشير أن بعض هذه الوسائل تمكن، بصعوبة بالغة، من أن لا يقع في هذا المطب، أو أن يخرج منه سريعا. فـ"آرابيسك اف ام" مثلا، كانت منذ اللحظة الأولى على أقصى حد من المسؤولية الوطنية، ولكل من فيها كلا التحية والاحترام على ما يفعلونه في ظل ظروف بالغة الصعوبة..
و"شام اف ام"، التي كانت دائما صوتا قويا مناهضا للعنف بكافة أشكاله، تمكنت مؤخرا من بدء الخروج من هذا النفق الذي أوقعها فيه قلة قليلة من مذيعيها، لتنحو نحو المسؤولية الوطنية التي نأمل أنها ستكون أجندتها الوحيدة. ولكل من يعمل داخلها على مناهضة العنف، ومناهضة تلك الأصوات النشاز "الحربجية"، نوجه أيضا التحية والاحترام.
بينما تقف قنوات مثل "دنيا"، وإذاعات مثل "المدينة اف ام"، لتكون جبهة حرب أقل ما يقال فيها أنها قذرة. وأن أي قانون في أي دولة في العالم، يطالها بعقوبات شديدة لما تبثه وتسمح بظهوره في بثها، لو أن بالإمكان محاسبتها.

وخاصة، الإخبارية السورية، التي شكلت صفعة قوية في وجه كل سوري وسورية خلال الاسابيع الماضية، فسياستها الإعلامية التي تتزين ببعض الأخبار على أنها "هامة" أو من "مصادر متابعة"، تثير القرف بكل معنى الكلمة.
ففي هذا الظرف الاستثنائي تشغل الدعاية الخاصة بالقناة نفسها أكثر من 70 % من مساحة بثها، وهي لا تكف عن ثقب آذاننا بأنها تجريبية، وأن "غدا أفضل"...
ومذيعاتها يبدون على الشاشة كما لو كن ذاهبات إلى حفل راقص، فيما يسيل دم السوريين/ات في سورية! دون أن يرف لهن جفن حول أية ألوان يرتدين وأي مكياج يضعن!
ووجوه مذيعاتها تقطب وتشد وتتوتر كما لو كانت تذيع البيان الأول لحرب شاملة، مضيفة المزيد من التوتر والتجييش على مضمون ما تذيعه نفسه الذي يدعو، بألف شكل وشكل، إلى حرب شاملة تحت اسماء مختلفة..
أما عن طبيعة الأخبار التي تبثها، فرغم اختلافها عن النمط السائد في الإعلام الرسمي السوري، فهي لا تشبه أبدا "أخبارا"، بقدر ما تشبه إنشاءات فارغة من أي معنى، يمكن لطالب في الصف التاسع أن يصيغ ما هو أفضل منها إعلاميا، وأقرب إلى الحقيقة.

إن الإعلام السوري، خاصة الرسمي منه، مسؤول مسؤولية تامة وكاملة عن أن يكون "محضر خير" كما يقال، بأن ينقل الحقائق وبلغة وطنية مسؤولة وهادئة، ويساهم في رسم صورة حقيقية لما يجري، وبأسلوب مهني محترم، مما يساهم فعلا في الخروج من المأزق المتوتر الذي نحن فيه. وبالتالي فإن استمرار الخطاب الحالي لا يمكن إلا أن يكون مدانا كليا، مهما تخفى تحت اسماء مختلفة، ومقارنات بائسة.


- بسام القاضي، (رسالة إلى الإعلام السوري: كونوا محضر خير.. فهذا بلدنا!)

خاص: مرصد نساء سورية

0
0
0
s2smodern