مرصد العنف والإعلام

بات جليا للعيان كما لم يبدو قبلاً هزالة الاعلام السوري العام والخاص والذي يتبع بحقيقته لمنبعٍ واحد، هذا الاعلام الذي استطاع وبأيامٍ قليلة أن يثبت كم هو ضعيف أمام العالم كله، استطاع إعلامنا بامتياز أن يخوّن ويغربل ويعطي الألقاب كما يشاء... ولم يستطع أبداً أن يقنع سوى فئات تبحث عن مكان آمن تلجأ إليه.... ولم يستطع أن يقدم جوابا واحدا شافيا فبدى متلخبطاً استحق الشفقة بجدارة....

خير مثال على ذلك البيان الأخير الذي طبلوا وزمورا فيه، دانوه وخونوا موقعيه وكاتبيه واعتبروهم عملاء بلا شرف ولا وطنية، ورأوا فيهم انهزام الأمة العربية كلها..فرّغوا الساعات والأيام في وسائل الاعلام السورية المختلفة ليفندوا بنوده وليبحثوا فيه نقطة تلو الأخرى عن مكامن الضعف والتخوين فيه وركزا على كلمات تتعلق بالحصار والمندسين الأطفال، ليثبتوا للعالم كله ضعف مهنيتهم التي لم تعد خافيه بعد على أحد ذلك الاعلام الذي استهتروا فيه على مدى عقود وملأوه كما تملأ المشافي أيام الوباء، ملأوه بالأقرباء والأصدقاء وأبناء فلان وعلتان متجاهلين أنه سلطة رابعة كما  يقع على عاتقه فضح الفساد يقع على عاتقه حماية الوطن.

 ضمن هذا الصراع يشهد إعلامنا اليوم لحظات تاريخية عليه من خلالها أن يراجع نفسه طويلا عليه أن يعترف بوجود الإعلاميين الغير متخصصين والغير مؤهلين بالرغم من شهادات الصحافة التي لم تخرج إعلاميا واحداً، هذا عدا الإعلاميين على الورق يشاهدون فقط عند قبض الراتب والمكافآت.. ليتحول الاعلام من عقول قادرة على التغيير والتحليل إلى عقول خامدة طوقت لسنوات بالمحسوبيات... ليرحل عنه المفكرين والمبدعين ويستبدلوا بالفاسدين والضعفاء..

إننا اليوم نشهد هذا الضعف الذي يلحق بنا الهزائم لتتحول وظيفة الاعلام كما في قناة الدنيا والفضائية إلى تفنيد ما تأتي به الفضائيات الأخرى بدلا من أن تقدم لغة مختلفة فيها تسبق بها لغة الاعلام الخارجي فهذه فرصتها اليوم فهي لحظات تتركز الأنظار إليهم وليس إلى المحطات الأخرى، فكيف نراها تضيع الوقت في تفنيد وتكذيب ما يأتي به الآخرون بدلا من أن تصنع التقارير والتحقيقات وتلتقي مع مختلف أطياف الناس والمفكرين السوريين الذين باتت القنوات الفضائية الأخرى تسخر منا ألا يوجد لدينا ونحن الثلاثة والعشرين مليونا مفكرين ومحللين سياسيين لنأتي بهم من لبنان... ألا يوجد في سورية تلك التي أخرجت أوائل المفكرين والكتاب وأعظمهم، كاتبا واحدا يخرج إلى التلفاز ويتكلم؟؟ هل الخوف من الألوان هل الخوف من الأفكار؟؟أم فعلا نضبت سورية من مفكريها..

أما المشكلة الأخرى أن الاعلام الخارجي هو الذي يسير إعلامنا من حيث لا ندري ففي مثال البيان الذي وقعه مجموعة من الفنانين والكتاب جر الاعلام الخارجي إعلامنا الهزيل ليفرغ أياما بالحديث عنه، علما أنه توجد بيانات عديدة وقعها مثقفون يرفضون الفتنة ويرفضون التدخل الأجنبي ويرفضون الطائفية ويطالبون بالإصلاح بيانات لم تذكرها الفضائيات الخارجية وبالتالي لم يذكرها إعلامنا الخجول المتقهقر... مع أنها كانت ستدعم الموقف السوري ورؤية السوريين، وكان على الأقل بامكان الاعلام السوري أن يركز على نقاط القوة والنقاط الايجابية في البيان بدلا من أن تتفق مع القنوات الخارجية تجاهه.

الملفت أيضا استضافتها لفنانين ليتكلموا بالحراك السياسي وهنا صوت أطلقته أمل عرفة من قناة الدنيا لتقول لماذا يطلب من الفنان أن يتكلم بالسياسة؟؟هل هنا دوره؟؟...

عملوا على جر الفنانينن لأيام متالية من أجل البيان نفسه، وظهر ضعفه باستضافة فنانين لن أذكرهم لكنهم أثبتوا سياسة تمسيح الأحذية وبالمقايل استضافوا وفي حلقة متميزة لكن ليست بسبب القناة بل بسبب الضيوف الذي أغنوا الحلقة بجرأتهم وقوة لغتهم وكانت هذه الحلقة مع باسم ياخور وعباس النوري وأمل عرفة وعابد فهد وكذلك سيف الدين سبيعي، واني أذكرهم لأنهم أعطونا قليلا من الروح والنبض بدل التخوين المستمر لأي مطالب بالإصلاح، بعيدا عن دورهم كفانين أظهروا صورة جميلة عن الشعب السوري المثقف الواعي المحب لأبناء وطنه فهم لم يحملوا لواء التخوين ولا التشكيك بأحد واعترفوا بأخطاء في الحكومة وأبدوا تساؤلاتهم العديدة فكانوا نموذجا لشريحة كبيرة في سورية لا تتكئ على أحد اللونين الأبيض أو الأسود إنما تبحث عن ألوان كثيرة فالاختلاف والتنوع هو الذي يعطي الوطن دفعات نحو الأمام..

دائما أعود لأقول أننا اليوم نحصد نتائج في الاعلام والقوانين والمناهج التعليمية الذين أفرزوا مواطنين لا يدركوا معنى المواطنة والانتماء، جاهلين بحقوقهم الشخصية وبمفاهيم الحرية والديمقراطية، أفرزوا مواطنين تعلموا كيف يتلقون لكنهم لم يتعلموا التحليل والابتكار، أفرزوا انتماءات لأديان بدلاً من أن تكون الانتماءات لأوطان.. طالما طالبنا بالجمعيات التنموية وإذ كانت الموافقات تنهمر لصالح الجمعيات الخيرية وأصحاب الواسطات، طالما طالبنا بفصل الدين عن الدولة ليخرج الآن أشخاصا يضعون الدين أولا وقبل كل شيء، طالما طالبنا بتغيير المناهج ونشر التوعية القانونية من خلالها لتخرج مدارسنا أشخاصا لم تدرك بعد ماهي حقوقها وماذا تريد..

وللاعلام حكايته التي طالما طالبنا بقانون للإعلام يحمي الإعلامي ويعطيه مزيدا من الحرية والقوة ليتشكل لدينا إعلاميون يتلعثمون أمام طفل يتكلم..

الآن لا زالت أمامنا فرص للتغير هاهي الحكومة تعمل ولا بد أن تغير تغييرا جذريا ولتضرب بعرض الحائط كل المحسوبيات ولتنظف المؤسسات من المتطفلين والفاسدين والجبناء.. لأن سوريا والسوريين يستحقون الأفضل..


رهادة عيدوش، (مساهمة الإعلام السوري في الفتنة جهل أم غباء أم..؟)

خاص: مرصد نساء سورية

0
0
0
s2smodern