افتتاحية المرصد

كنت أفضل البقاء صامتا، لكن بما أن كاميرا التلفزيون كانت حاضرة في الافتتاح، ونقلت وجودي في ما سمي "الحلقة النقاشية" التي عقدت في الهيئة السورية لشؤون الأسرة (4/4/2013) تحت عنوان "أوضاع المرأة السورية في ظل الأزمة"، فقد صرت مضطرا لإيضاح بعض الأمور، قبل صدور أي بيان أو توصيات.

 

1- كنت سعيدا جدا حين تلقيت الدعوة من الهيئة السورية لشؤون الأسرة لحضور "حلقة نقاشية" بالعنوان أعلاه، (بصفتي مدير مرصد نساء سورية)، ليس فقط بسبب أهمية الموضوع، بل أكثر بسبب أنها "حلقة نقاشية"، أي هي مساحة للنقاش الجاد والعميق في قضية هي من أكثر القضايا خطورة اليوم وغدا،
إلا أن المفاجأة كانت أن ما دعيت إليه لم يكن "حلقة نقاشية"، بل نوع من جلسة لا ينطبق عليها حتى "تبادل آراء". إذ تضمن جدول الأعمال الممتد على أربع ساعات فقط، 6 أوراق عمل معدة مسبقا، إضافة إلى الخلاصة والتوصيات، مع أكثر من 25 شخص حضر الاجتماع! أي أنه لو تكلم نصف الحضور فقط، لما كان لأحد أن يقول بأكثر من أجزاء بسيطة من تصوره حول المحور المعين، ثم عليه أن يصمت كليا حتى المحور التالي! مما يلغي أي إمكانية لـ"حوار" أو "نقاش" أو حتى "تبادل رأي" بين الحاضرين!
وهذا ما سبب أول إحباط جدي لي، فقد مللنا فعلا هذا الأسلوب الذي لا يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة: بيان ختامي أو توصيات لا تعبر عن أحد، ولم تنجم عن نقاش أو حوار، وليست سوى حبرا على ورق!

2- المفاجأة الثانية أن هذه "الجلسة" لم تكن من الهيئة السورية لشؤون الأسرة، رغم أن الدعوة جاءت كذلك، والبرنامج عنون كذلك، بل من جمعية جديدة اسمها "الجمعية السورية للثقافة والمعرفة"! لم أسمع بها من قبل! وهي التي تحكمت منذ البداية بسير الجلسة وقواعدها، ومن الواضح أن كل ترتيبات الجلسة أيضا كانت من عمل هذه الجمعية، كذلك كثير من الحضور من أعضاء هذه الجمعية! إضافة إلى أن رئيس مجلس إدارتها (ربيع نصر)، الذي فضل الجلوس وحيدا بالقرب من الشاشة! كان هو المقرر في كل التفاصيل!
والمشكلة النابعة عن هذه أن انعدام الخبرة والمعرفة في تنظيم حلقات النقاش والجلسات وإدارتها، بدت واضحة من اللحظة الأولى، وانعكست سلبيا مباشرة!

مع ذلك، بقيت جالسا أنتظر.

3- بدأت الجلسة بمقدمة للدكتورة إنصاف الحمد، رئيسة الهيئة، تكلمت فيها عن ما تطمح إليه في هذه الورشة بشكل عام، وعن محاورها. ثم انتقلت لتجلس بين من يفترض أن يكونوا "متناقشين".

4- ثم ورقة للدكتور أكرم القش (من الهيئة السورية)، تضمن معلومات إحصائية عن السكان والحضر والريف والامية وأمية النساء وما إلى ذلك، لم يكن فيها كلمة واحدة مفيدة عن واقع المرأة اليوم في ظل الأزمة، ولا عن آثار الآزمة عليها! ورقة لا تختلف بشيء عن أية ورقة عمل قدمت في 2010، أو 2008!

5- تلتها ورقة للدكتور نبيل مرزوق بعنوان "الانعكاس الاقتصاي على المرأة نتيجة الصراع الداخلي المسلح"! أثارت قلقي بدءا من عنوانها (الصراع الداخلي المسلح!)! إلا أن المعلومات الأساسية التي تضمنها القسم الأول من الورقة كانت هي الكارثة الحقيقية.

فقد قالت الورقة أن (82% من الضحايا هم من المدنيين)!! وأن 10 % منهم نساء!! وأن 37 % منهم من ضحايا "القصف الجوي والمدفعي"!! إضافة إلى الكثير من الأرقام الأخرى المثيرة!!

ما إن انتهى د. مرزوق من ورقته، حتى أعطيت الفرصة للحضور، وكان لي المداخلة الأولى التي بدأت بسؤال عن مصدر المعلومات التي ذكرها د. مرزوق. فقال أنها من دراسة لمنظمة دولية لم يعد يذكر اسمها! ولا تاريخ الدراسة! وطبعا هي غير موثقة أصولا في الورقة!

فاعترضت مباشرة على ما ورد فيها. مشيرا إلى أنه من الواضح أن الأرقام المذكورة هي من صنع الإرهابين وأزلامهم من نصابين حقوق الإنسان والمنظمات الدولية والإقليمية التي تعمل ليل نهار لتدمير سورية!
فأن يقول د. نبيل في ورقته (وهو مسؤول عن كل معلومة فيها ما دام قد نقلها دون أن يعترض عليها) أن 82% من الضحايا هم مدنيون، فيما ثابت أن عدد ضحايا الجيش والأجهزة الأمنية بالآلاف، فإنه فقط يكرر ما تقوله الجزيرة الإرهابية من أن الجيش والدولة تقتل المدنيين في سورية! وأن المعركة هي معركة بين الجيش والدولة من جهة، و"الشعب المدني الأعزل" من جهة ثانية!

وأن يقول د. نبيل في الورقة ذاتها أن (37 % هم ضحايا القصف الجوي والمدفعي)، فهو يعني أن هؤلاء ضحايا "القصف العشوائي من الجيش السوري ضد المدنيين"، وهي اسطوانة الإرهابيين ذاتها، فـ"القصف الجوي والمدفعي" هما سلاحان من أسلحة الجيش السوري تحديدا!

وكلاهما (والكثير من التفاصيل الأخرى) ليست سوى طعنا صريحا بالجيش السوري، وتثبيتا لأكاذيب الإرهابيين حول حقيقة حربهم الإرهابية الأصولية المجرمة ضد سورية جيشا ودولة وشعبا بهدف تدميرها وتحويلها إلى حظائر طائفية خاضعة كليا للمشروع الصهيووهابي!


6- انتقلت المداخلة إلى شخص من الجمعية نفسها (رفعت..)، فمهد لما سيظهر بعد قليل بالتركيز على ضرورة أن تكون المصطلحات "حيادية ومهنية" وبعيدة عن السياسة، في إشارة واضحة إلى ما قلته عن أن الضحايا المدنيين هم ضحايا "الإرهابيين"، إذ لم تعجبه على ما يبدو صفة "إرهابيين" لمن هم إرهابيون وخونة ومجرمون قتلة! وقال أن ما يجري في سورية هو "نزاع مسلح" بين عدة أطراف!

7- تلا ذلك مداخلة لنهلة السوسو، اعترضت فيها على ماقاله د. نبيل من أن "النساء السوريات هجرن إلى الكهوف"!! وأن ما يجري في سورية هي حرب، وليست "نزاع مسلح" كما قال السيد رفعت.

8- ثم انتقلت المداخلة إلى "أمل نصر"، (وهي من إحدى المنظمات الدولية، لم أعد أتذكر أي منظمة) وهي صاحبة "ورقة عمل" كما هو منصوص عليه في البرنامج.

اعترضت أمل على اعتراض نهلة السوسو، وأكدت أن ما يجري هو "نزاع مسلح بين طرفين"، وأن النساء السوريات هجرن فعلا إلى الكهوف! وأن كلا "الجيشين" يقوم بالقتل والتهجير...

عند هذه الجملة (الجيشين)، قاطعت مداخلتها، ورفضت فورا أن يقال "الجيشين"، وبغضب عبرت عن أن هناك جيش واحد في سورية هو الجيش العربي السوري، وأن الباقين هم إرهابيون خونة، وأن هذه ليست حلقة نقاش حول أوضاع المرأة السورية في ظل الأزمة، بل يبدو أنها محاولة لتمرير أفكار ومصطلحات خدم الإرهابيين من "مثقفي النفاق"، وأنني أرفض الاستمرار في الجلسة أولا لأنها ليست "حلقة نقاش"، والأهم لأنني لا أقبل أن أجلس مع أشخاص يسمون الإرهابيين الأصوليين الخونة بـ"جيش"، ثم يضعونه في المستوى نفسه مع جيش وطني الذي يضحي جنوده كل لحظة من أجل سورية بدمائهم وأرواحهم وحياتهم.

وفورا انسحبت من الجلسة علنا، وأعلنت رفضي هذه الجلسة بكل ما فيها وما يصدر عنها.

هذا ما جرى في نحو ساعة من الزمن التي حضرت خلالها جلسة التشهير بالجيش العربي السوري تحت مسمى "النزاهة والحيادية والمهنية"! جلسة تتحمل الهيئة السورية لشؤون الأسرة كامل المسؤولية عنها أيا كانت مبرراتها. فلسنا معنيين بالجمعية التي من الواضح أنها تريد أن تمرر تصوراتها وتسمياتها المنافقة حول "المهنية" عبر الطعن بالجيش والدولة واعتبار الدولة والجيش والإرهابيين مجرد "أطراف تتنازل وتقتل المدنيين"، وهو في الواقع تصور متناسب تماما مع العديد من المدعوين إلى هذه الجلسة والمنتمين إلى الجمعية، كالدكتور نبيل مرزوق، وريما الدالي، والعديد من الأسماء الأخرى.

إذا كان خطأ قاتلا أن تكون ورقة د. مرزوق عرضت دون أن تطلع عليها وتوافق عليها الهيئة السورية لشؤون الأسرة، وهو ما يبدو أنه قد حدث، فإنها جريمة كاملة إن كانت قد اطلعت عليها مسبقا كما يفترض بأي ورقة عمل تقدم في جلسة تنظمها جهة ما! وفي كل الأحوال تتحمل الهيئة فعلا مسؤولية تقديم مثل هكذا ورقة هي ترويج صريح لكذب ونفاق الإرهابيين وخدمهم من جماعات "حقوق الإنسان"!

إذا، ظهوري على الشاشة السورية كمشارك في هذه الجلسة، لا يعني أنني شاركت فيها.
فقد انسحبت منها معلنا رفضي إياها وما يدور فيها من طعن في ظهر الجندي السوري،
وبالتالي لا علاقة لي بها ولا بأي بيان أو "توصيات" أو.. خرجت أو ستخرج بها.

وأدين بلا تحفظ كل من يقول، أو يسمح بمثل هذا الطعن بالجيش السوري تحت مسمى "الحرية" أو "حرية الرأي" أو "المهنية" أو غيرها من الكلمات التي تصير سلاحا إجراميا بحق الجيش عندما تستخدم في مثل هذا السياق.


بسام القاضي، مدير مرصد نساء سورية، حول "الحلقة النقاشية" في الهيئة السورية لشؤون الأسرة

0
0
0
s2smodern