افتتاحية المرصد

فيما تحتفل سورية، رجالا ونساء، بالذكرى الرابعة والستين لعيد الجلاء، ما تزال النساء السوريات اللواتي كن، وما زلن شريكات في كافة أوجه الحياة والنضال، منقوصات المواطنة في ثقافة ذكورية تسيطر على الحكومة السورية التي تؤكد رفضها اليومي لتأمين حقوق المواطنة لهن.

فحق الحياة للمرأة السورية اليوم، في 2010، منتهك بأشد أنواع الانتهاك صراحة: منح الذكور حق قتل النساء مع مكافأة بإعفاء (عمليا) من العقوبة إذا لم يعجبهم سلوكهن وادعوا أنهم قتلوهن "بدافع شريف"! وبحماية صريحة وفظة من المادتين 548 (المرسوم 37 لعام 2009)، والمادة 192 من قانون العقوبات السوري!

وما يزال حقها الأساسي بمنح جنسيتها لأطفالها منتهك كليا، إذ يحرم أبناء المرأة السورية المتزوجة من غير السوري من جنسية أمهاتهن بذرائع وهمية مثل "قرارات الجامعة العربية" أو "العادات والتقاليد" أو "حماية الوطن"! كما لو كن النساء السوريات هن عميلات ضد الوطن بالضرورة! رغم أن التاريخ أثبت أن جميع العملاء ضد الوطن كانوا "ذكورا"!

وما تزال المرأة السورية مجرد خادمة للرجل، ومنجبة لأطفاله، إذ يحق له أن يتزوج عليها مرة تلو مرة لأي سبب بما في ذلك أنها "لا تكفيه" جنسيا! ويحق له أن يطلقها كيفما شاء راميا إياها في الشارع مستوليا، بقوة القانون، على كافة الممتلكات التي حصلاها معا! ويحق له أن "يؤدبها" لأنها "قاصر" بالضرورة!

وما تزال أيضا محرومة من أي علاقة مع أبنائها إلا علاقة "المأجورة"! فلا علاقة لها، قانونيا، بأبنائها إلا كمنجبة ومرضعة ومربية! فيما لا يحق لها الإشراف ولا التصرف بأي جانب يخص أطفالها! ويستولي أي ذكر في العائلة، حتى العم والجد.. على هذا الحق لأن المرأة السورية، في نظر القانون، لا وجود لها كإنسانة ومواطنة!

وليس ذلك سوى غيض من فيض.. إذ إن الحكومة السورية، ومدعي الدين من الذكور الذين يسخرون الأديان لمصالحهم الخاصة وأفكارهم الظلامية، لا يكيفها كل هذا الظلم والاضطهاد للنساء السوريات، فتسارع إلى تشريع جديد تحت مسمى "قانون الأحوال الشخصية" لا يأخذ بالحسبان أي من التطورات الأساسية التي أنجزتها سورية في القرن العشرين! بل إن البعض يعمل بكل طاقته داخل الحكومة وخارجها ليكون القانون الجديد أشد وطأة وظلما وإجحافا بحق المرأة السورية تحت مسميات منافقة مثل "الشريعة"! وهذا القانون يعمل الآن فيه بسرية شبه مطلقة مع حرص شديد على عدم تسرب أي شيء منه للناس، الناس الذين أثبتوا أن سورية ليست مكانا ملائما للموتى، بل فقط للأحياء الذين تنبع أخلاقهم وقيمهم من المواطنة والمساواة، وليس من طول ذقن هذا، أو طول قفطان ذاك!

وللأسف، أن منظمات المجتمع المدني أثبتت أنها لا تقل تشبثا بثقافة العنف والتمييز، وانتهاك حقوق النساء، عن الحكومة السورية والظلاميين! فبينما ينشغل البعض بالثرثرة والمصالح الضيقة في هذا الاحتفال أو ذاك، هذا المؤتمر أو ذاك، دون أن يقدم أي عمل على الأرض، ينشغل الآخرون بالاهتمام بقضايا ليست أصلا مجال اهتمامهم، مستهترين بالنساء السوريات إلى حد أنهم يصدرون البيانات تلو البيانات في هذا الأمر أو ذاك، ويصمتون صمت القبور حين تقتل النساء بذريعة الشرف، وحين تنتهك حقوقها في القرارات المتتالية للحكومة السورية، دون أن يصدر عنهم أي كلمة! وهي المنظمات التي تدعي أنها تعمل في "حقوق الإنسان"، بل بعضها يقول أنه مختص في "حقوق المرأة"!

في الذكرى الرابعة والستين لعيد الجلاء، حان الوقت لكي تتوقف سورية، حكومة وأحزاب ومنظمات، عن الانتهاك الذي تمارسه يوميا ضد النساء السوريات. حان الوقت لكي تلغى كافة القوانين التمييزية. لكي تقر الحكومة عمليا، وعبر القوانين والقرارات والممارسات، أن المرأة السورية هي مواطنة على قدم المساواة مع الرجل. وكل تمييز بينهما على أساس الجنس (امرأة- رجل) هو انتهاك صريح لحقوق المواطنة، وحقوق الإنسان، وأبسط مبادئ العدالة مهما كان اسمها، دينيا أو لا ديني.

المرأة السورية هي شريكة على قدم المساواة في الحياة الواقعية. وكثيرا ما تكون مسؤولياتها ودورها أكبر من مسؤوليات ودور الرجل. وبالتالي فإن أي مبرر للاستمرار بهذا الانتهاك هو مبرر منافق لا هدف له سوى تثبيت السلطة الذكورية التي لا تنتمي أصلا إلى المستوى الحضاري من حياة الإنسان!


بسام القاضي، افتتاحية نساء سورية، 17/4/2010، (بعد 64 عاما من الاستقلال.. متى يحين موعد استقلال النساء السوريات؟!)

خاص: نساء سورية

0
0
0
s2smodern