افتتاحية المرصد

  بعد الفشل الذريع للمرأة في انتخابات مجلس الشعب.. نعم: نحن من الجاحدين!

كان مفاجأة بحق ما كتبته جريدة الثورة السورية على صدر صفحتها الأولى صباح يوم 27/4/2007، تعليقا على نتائج الانتخابات لمجلس الشعب، فيما يخص المرأة. وبعيدا عن "تسييس" الأمر الذي طغى على النص برمته، وهو ما لن نرد عليه لالتزامنا الدائم أن لا ندخل في اللعبة السياسية، صيغت المقالة بلغة مثيرة، وبأرباع وأخماس حقائق أدت، فيما أدت إليه، إلى قلب الحقائق رأسا على عقب..
أول هذه "الأرباع حقائق" هو قصر الفشل الذريع هذا على "المجتمع بما هو عليه وبتركيبته.."! المجتمع فشل في دعم المرأة في الانتخابات؟ بالتأكيد. وليس سوى الأعمى من لا يرى ذلك. لكن، إضافة إلى أسباب أخرى كثيرة، هناك سبب مهم جداً لهذا "الفشل"، هو مسؤولية الحكومة شبه التامة عنه. وبشكل خاص وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والجهات المتخفية وراءها، وبالأخص السيدة الوزيرة د. ديالا الحاج عارف. وهذا، كما يعرف الجميع، ليس ضرباً في الرمل.
فبعد عقود طويلة من قانون "القضاء على الجمعيات والعمل المجتمعي" المسمى بهتانا بـ"قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة"، جاءت وزارة الشؤون لتنفذ "القانون" بأسوأ طريقة يمكن لعاقل أن يتخيلها. ولا يشكل حل جمعية المبادرة الاجتماعية، وصمة العار، والوصمة أختها بحظر التعامل مع رابطة النساء السوريات، سوى قمة جبل الجليد مما جرى، خاصة في السنوات الأخيرة. ولو (وهي حرف امتناع لامتناع) قُدر للملفات أن تظهر، لرأينا جميعاً أية ممارسات يومية (بالضبط يومية) لم يكن لها من هدف سوى القضاء قضاء مبرماً على كل عمل مجتمعي مدني مستقل. والعمل المجتمعي المدني المستقل هو، أولا وقبل كل شيء، أساس دفع قضايا المرأة في الوجدان العام، وتغيير الصور النمطية السائدة تجاهها.

لن تظهر الملفات، هذا ما نحن واثقون منه، على الأقل  في زمن قريب. لكن، ومن باب التحدي العلني للسيد "الخفي" كاتب المقالة، هل تستطيع جريدة الثورة، مثلا، أن تعلن تعاوناً مع أية جمعية، حتى مرخصة، دون موافقة السيدة الوزيرة شخصياً؟! بل هل يعرف أنه لا يمكن لجمعيتين أن تنسقان بعضهما مع بعض في قضية معينة دون سلسلة من الموافقات التي يعرف، بالتأكيد، ماهيتها؟! هل يستطيع، هو، أن يقوم بتحقيق حقيقي (ويعرف طبعا ما يعني حقيقي) يتناول البطاقات المدفوعة سلفا التي يجب أن "تشترى" من على "الطاولة" من أجل الموافقة على أي نشاط لجمعية ما؟! هل يستطيع أن يتقصى الحقائق المتعلقة بمجالس إدارات الجمعيات وعلاقة "مندوبي" الجهة المختصة بها؟! ألم يسمع السيد بعدد الورشات والمؤتمرات التي ألغيت بجرة قلم لأسباب تتعلق "بالمصلحة العامة"؟ بل هل يعرف أن الحصول على قائمة بأسماء وعناوين الجمعيات المرخصة في سورية يحتاج إلى واسطة "طول وعرض" وتمسيح جوخ ليس بإنكليزي؟!

وقبل أن يدافع "الخفي" عن "المصلحة العامة" التي صارت مسمار جحا في رأس المجتمع المدني، يهمنا أن نقول له أن كل سورية وكل سوري، يعي المصلحة العامة على قدم المساواة مع كل مسؤول ومسؤولة مهما كان. ومن حقه أن يساهم فيها، وفق ما يراه، على أن لا يعتمد العنف، بغض النظر عن رغبة أي مسؤول كان. وغير ذلك، لا سلطة إلا لقضاء مدني عادل ومستعجل.. ونزيه..

هذا جزء بسيط من مسؤولية جزء من الحكومة هو وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل..
ولنرى أجزاء أخرى..

الحكومة أيضاً، وفي مجالنا فحسب، "فشلت" حتى الآن، (وفشلت هي صيغة مهادنة للكلمة الحقيقية التي هي: رفضت) كل تغيير عميق وجذري في القوانين المتعلقة بالمرأة، والقوانين مفاتيح أساسية في وضع المرأة في الذهنية العامة. فما زالت المادة 548 من قانون العقوبات السوري تعبر عن تأييد الحكومة المطلق لسيادة الذكورة وحقها بقتل النساء مع حل من العقوبة أو تخفيف شديد لها! وما زالت المادة 192 من القانون نفسه لا تمارس، تقريبا بإطلاق، إلا في حماية القتلة أنفسهم المدافعون عن "شرف" بائد! وما زالت المرأة السورية تطلق بورقة بعد عقود من الزواج دون أن يحق لها حتى مكنسة من البيت الذي عمرته مشاركة! وما زالت تحرم من الإرث يميناً وشمالاً بألف وسيلة ووسيلة؟ وما زالت عاجزة عن الشكوى لمخافر الشرطة حين تتعرض للضرب والتعنيف، حتى لا تتلقى سخرية مضاعفة! وما زالت ممنوعة من إقامة ملاجئ للمعنفات محمية وقادرة على تأمين حمايتها! وما زالت خاضعة لنزوة "الذكور" بأن يتزوجوا مثنى وثلاث ورباع دون أي قيد أو سؤال، وبغض النظر عن رغبة الزوجة أو وضعها أو أي اعتبار آخر غير "حق السيد الذكر بممارسة الجنس مع أكثر من امرأة"! وما زالت، كأي جارية، عليها أن تختار "سيدها" من حملة جنسية بلدها حتى يكون "أولاده" سوريين! فإذا "خانت" وطنها بأن تزوجت مصري، أو ياباني، أو من الأسكيمو، حكم على أولادها أنهم غير سوريين! وحكم عليهم أنهم "أدنى" مرتبة من اللقطاء! وما زالت ترمى في الشارع إن كانت مطلقة حاضنة لأن "السادة الذكور" في الحكومة العتيدة رفضوا، بإطلاق، أنه يحق لها مسكن لتحضن فيه! وما زالت المرأة السورية، تلك التي "فشلت" في الانتخابات، تقصى من المواقع الفاعلة وذات القيمة العامة إلى "قطاع الخدمات المجتمعية" كالتعليم والتمريض والسكرتريا!

بل حتى إن الهيئة السورية لشؤون الأسرة، تراجعت في العام الأخير وحده ما لا يقل عن أربع درجات من سلم العشرة درجات، في علاقتها العملية مع القضايا التي أنشأت أصلاًً لأجلها. ولعل "الخفي" لاحظ أنه، فجأة، اختفت الإعلانات المضادة للعنف المنزلي (ضد المرأة والأطفال) من الشوارع! والندوات والنشاطات التي أثارت أملا كبيرا بعلاقتها مع الناس، وإن كانت في خطواتها الأولى، عادت، ونقول عادت قسرا دون أي تحفظ، إلى مكاتب الهيئة، والندوات المحصورة بفئة صغيرة مهتمة!

ولعل السيد "الخفي" نسي أن الاتحاد النسائي هو المنظمة "الحكومية بامتياز" التي احتكرت العمل المجتمعي في قضايا المرأة لأكثر من ثلاثة عقود. ولم يتمكن أحد غيره من ممارسة النشاط حتى السنوات القليلة الأخيرة. والنشاط في السنوات الأخيرة، بعد إذن  "الخفي"، لم يكن بقرار من أحد. بل هو حركة للمجتمع المدني فرضت نفسها بالقوة في الواقع. بقوة الأزمات الكثيرة التي صار من المستحيل إغماض العين عنها، والفشل الذريع للحكومة في معالجة أي منها، بل حتى في الثبات على مستوى الأزمة دون تدهور.. هذا الاتحاد، لم ينجز بعد عقده الأول، سوى المزيد من المناصب، والمزيد من السيارات، والمزيد من الهتافات الفارغة. وفقط حين لاحظ أن نشاط المجتمع المدني بدأ يهدد جديا بسحب البساط من تحت قدميه، شرع بإعادة التفكير بوضعه ودوره، وانجز، في سنة واحدة، أكثر مما أنجز في عقدين!
وللأمانة فقط، اعترفت السيدة سعاد بكور، رئيسة الاتحاد العام النسائي، وعضوة مجلس الشعب في دورته المنصرمة ودورته القادمة، في ورشة عقدت مؤخراً، أن فشل المرأة في الانتخابات كان "ذريعاً" ومخجلاً. وطالبت بكوتا معممة لتأمين عدم تراجع وضع المرأة في انتخابات الإدارة المحلية القادمة.

والسيد "الخفي" أيضاً، لم يقل لنا كم امرأة استلمت إدارة تحرير صحيفة الثورة على امتداد تاريخها؟ ولا كم منهن استلمت رئاسة تحرير الثورة أو تشرين أو البعث؟ ولم يخبرنا طبعا عن المحظورات التي لا يستطيع هو، أو أي من الزملاء في الصحف الرسمية، أن يقترب منها وتخص قضايا المرأة (رغم أننا قلنا وأشدنا بالتغيرات في صحيفة الثورة خلال العامين الأخيرين فيما يخص قضايا المجتمع، وخاصة المرأة)! لم يقل لنا كم امرأة وصلت إلى قمة اتحاد نقابات العمال، أو الفلاحين، أو الجمعيات الحرفية، أو اتحاد الطلبة، أو اتحاد الشبيبة...؟ وطبعا، جميعها منظمات حكومية بامتياز، حتى وإن حملت، رسمياً، صفة منظمات شعبية..

هذا بعض فقط من واقع مرّ. وأمر ما فيه أننا أثبتنا، قبل أيام، مدى عمق المشكلة التي نعيشها في قضايا المرأة. ويبدو أن إخفاق المرأة الكويتية في الوصول إلى مجلس الأمة، الذي قيل فيه الكثير، هو نجاح باهر حقا أمام وضعنا. على الأقل أنها المرة الأولى التي يحق للمرأة الكويتية أن تترشح. واستطاعت أن تتعامل وتحصد نسباً من الأصوات ليس بتافهة. أما نحن، وبعد كل هذه العقود من الحق الموجود، ولا امرأة واحدة تصل البرلمان خارج قوائم الجبهة؟! يا للعار!
ولكنه، ليس عار "المجتمع". بل عار المسؤولين عن تقييد جعيات ومنظمات هذا المجتمع المعنية بالنشاط في قضايا المرأة! عار الذين يساهمون مباشرة وعلانية، أو بشكل غير مباشر، أو من تحت الطاولة، أو بأية ذريعة وشكل، في إبقاء المرأة السورية في العربة الأخيرة!

ثم، وبعيداً عن تسييس الموضوع، لا بد من الاعتراف بدور حزب البعث في ترشيح سيدات لانتخابات مجلس الشعب، رغم أن النساء اللواتي رشحن على قائمة الجبهة لم تتجاوز نسبتهن 18 % من مرشحي الجبهة. ولكن، لماذا يتم تخبئة الموضوع تحت اسم "الجبهة"؟! هل خاف السيد "الخفي" عن تسمية الأشياء بمسمياتها بأن يقول إنهن مرشحات حزب البعث؟ هل يستطيع أن يقول لنا كم امرأة من أحزاب الجبهة الأخرى رشحت لهذه الدورة؟ أو، هل سمع، على سبيل المثال لا الحصر، أن واحداً من أحزاب الجبهة الهامة رفض تثبيت ترشيح سيدة من قيادته، وهي معروفة ومشهورة في الأوساط الناشطة في قضايا المرأة، لصالح "قيادي ذكر" فيه؟ بل لم يقل لنا ماذا فعلت الأحزاب مجتمعة، بضمنها حزب البعث، في قضايا المرأة فعلا، عبر أنظمتها الداخلية المطبقة عمليا، لا تلك التي على الورق، وعبر برامجها ونشاطاتها اليومية، الميدانية والنظرية؟

في الواقع، إن الإخفاق الذريع والمشين في وصول سيدات مستقلات إلى مجلس الشعب، وفي وصول هذه النسبة القليلة من السيدات على قوائم الجبهة، تتحمل مسؤوليته أولا الحكومة السورية، مؤسسات وقوانين. خاصة تلك القوانين والممارسات التي لا هم لها سوى محاصرة المنظمات والجمعيات والجهات الناشطة في قضايا المرأة، والقضاء عليها بأي شكل. فمهما كانت القرارات المركزية إيجابية، وفي حالتنا بعضها فقط إيجابي، وجلها لا، لن يكون لها أثر في الحياة اليومية للناس ما لم ترفع اليد عن منظمات المجتمع المدني، الوحيدة القادرة حقا على إيصال صوت النساء، والوحيدة القادرة على تغيير بطيء ولكن ثابت في الذهنية العامة.. وأول شروط هذا الإطلاق، وليس آخرها، هو قانون جمعيات عصري يرفع كل وصاية عنها، وكف يد لوزارة الشؤون الاجتماعية، مالم يكن فتح تحقيق على مستوى وطني بكل سلوكيات هذه الوزارة، واعتماد القضاء المدني العادي المستعجل حكماً وحيدا لعمل هذه الجمعيات.

قبل أن نختم، أود القول أننا نحن، في نساء سورية، وبغض النظر عن إمكانياتنا وواقعنا و.. نتحمل جزئنا الخاص من هذه المسؤولية، لأننا وقفنا نتفرج! بغض النظر عن أية أسباب موضوعية أو ذاتية.. لسنا نتنصل من المسؤولية، ونعرف جيداً كيف تتوزع "المسؤوليات"!
ونود أن نقول أيضاً أننا على علم بأن غاية المقالة المذكورة لم تكن قضايا المرأة. لكنه ليس ذنبنا أن يتم "امتطاء" هذه القضايا لغايات أخرى.

أخطأت،  إذا، يا سيدي "الخفي". نحن وغيرنا، رغم أننا نبتسم لجملتك المهترئة "لكن الجاحد فقط يقرؤها دون أن الاعتراف بإيجابياتها الكثيرة"، نؤكد لك أننا استطعنا أن نرى الإيجابيات كلها، وأن نشيد ونتمسك بها وندعمها علنا.. وبرهاننا صفحات هذا المرصد الحر المستقل..
لكن.. لأننا من "الجاحدين العاقلين"، ولسنا من غير الجاحدين غير العاقلين، لم نستطع أن نسمح للشجرة أن تخفي عنا الغابة!

*- لقراءة مادة جريدة الثورة.. الرجاء انقر هنا..

بسام القاضي، مشرف فريق عمل نساء سورية - (بعد الفشل الذريع للمرأة في الانتخابات.. نعم: نحن من الجاحدين!)

خاص: "نساء سورية"

0
0
0
s2smodern