افتتاحية المرصد

من طعن سورية.. في الوجه؟!

بتاريخ 28/10/2006 انطلقت مجموعة من شابات وشبان سورية باتجاه الحدود الأردنية ليستقلوا الخطوط الجوية النمساوية باتجاه السويد، حيث تقام ورشة عمل حول "جرائم الشرف" تشارك فيها خمس دول (سورية، الأردن، تركيا، السويد، الدانمارك). وما إن وصلوا إلى الحدود حتى ختمت جوازات سفرهم باتجاه السفر. وفجأة، أوقفتهم "جهة" رفضت التصريح عن ماهيتها، وأخذت جوازات سفرهم، وفتشتهم تفتيشاً دقيقاً مثيراً للانتباه، ثم منعتهم من المغادرة بانتظار توجيهات من "الجهات العليا" التي رفضوا أيضا التصريح عن ماهيتها!
ومن نحو الثالثة ظهراً، وحتى العاشرة ليلاً بقيت الصبايا والشباب ينتظرون "التوجيهات" وهم يخضعون لشتى أنواع الأسئلة (من أرسلكم؟ من نسق العمل؟ من يمولكم؟ ما أهدافكم؟ ...). ليتم إخبارهم بعد ذلك أن "الجهات العليا" لم تسمح لهم بالمغادرة؟!....

وماذا إذن؟ ما المشكلة إذا منعوا من حضور ورشة في السويد؟ من الواضح أن "الجهات العليا" تلك لم تر مشكلة في الأمر! لكن إليكم الوقائع.
أثارت الحركة التي قام بها "مرصد نساء سورية"، مع شركائه المدنيين والحكوميين، في خصوص جرائم الشرف إعجاب الكثير من الجهات والمنظمات العربية والدولية. خاصة أنها المرة الأولى التي يجري الحديث فيها عن هذه المشكلة في سورية، وخاصة أيضاً أن هذا العمل أبرز وجهاً جديداً للدينين الإسلامي والمسيحي في مواجهة هذه الجرائم. فهي المرة الأولى التي تصدر فيها مثل هذه الإدانات على هذا المستوى. ونتيجة لهذا النجاح النسبي، فكرنا بطرح مشروع على برنامج الشباب الأوروبي المتوسطي يهدف إلى تبادل الخبرات بين الدول التي تعاني من مثل هذه المشكلة. وانطلقت الفكرة أثناء توجد الوفد في أيلول 2005 في دمشق. وحينها تم اقتراح هذا المشروع من جملة المشاريع ونال الإعجاب. جدير بالذكر أن الورشة في دمشق حضرها ممثلون عن الهلال واتحاد شبيبة الثورة، وزار الوفد الأوروبي السيدة أسماء الأسد آخر يوم من النشاط آنئذ.
وكنا شركاءه الرئيسيين في الإعداد لتنظيم الورشة الدولية في السويد، سواء من حيث اختيار الوفود المشاركة، أو وضع تفاصيل البرنامج المعد. وشارك في اللحظات الأخيرة نادي بالميرا للمغتربين السوريين في السويد، وهو نادي يجمع جانباً مهماً الجالية السورية في السويد، ويتعاون مع الباقين، عبر وضع مخطط للقاء حواري فعال مع الجالية السورية.
ومنذ ذلك الحين، والعمل يجري على قدم وساق لتأمين أفضل مناخ ملائم لعقد الورشة. وقد نجحنا بذلك، بالتعاون مع الشركاء، إلى حد أكد فيه الكثيرون أنها من المرات القليلة التي يجري الإعداد لورشة ما بهذا القدر من العناية بالتفاصيل المناسبة. ولم يكن لدينا غاية أخرى في هذا الأمر غير نجاح الورشة الذي عددناه، أولا، نجاحا لسورية. ليس من باب المزاودة الوطنية التي لم نتقنها يوماً، بل لواقع أن المشاركات السورية نادراً ما حظيت بلفت انتباه، وكثيرا ما اعترتها الثغرات والمشاكل والحسابات الشخصية، بل والانحراف عن الأهداف الرئيسية للعمل.
وكان لهذا الدور الذي لعبه "مرصد نساء سورية"، عبر الصبايا والشباب المتطوعين فيه، وعبر مساندة وتعاون الشركاء، دورا كبيرا في إبراز وجه لسورية لم يره أحد منذ وقت طويل. فمنذ وقت طويل لم تخرج مبادرة مستقلة غير حكومية على هذا المستوى. ومنذ وقت طويل فقد الكثيرون إمكانية التصديق أنه يمكن في سورية للمبادرات المستقلة في العمل المجتمعي أن تعمل وتنجز دون معوقات من "الجهات المعنية"! بل وأن تشارك في تنسيق عمل على مستوى ورشة عمل دولية مثل تلك التي قمنا بالإعداد لها.
ويعرف الجميع أن حكاية "المعوقات" هذه شغلت حيزاً هاماً من الأسئلة التي وجهت لنا إعلامياَ، داخليا وخارجياً. وحين أكدنا دائماً أننا لم نتعرض لأية مضايقات لم نكن نمسح الجوخ لأحد، فهذا خارج نطاق اهتماماتنا بإطلاق. بل كنا فقط نؤكد الواقع الذي لمسناه في عملنا.
إلا أن ما جرى في 28/10/2006 كان مفاجأة بكل المعاني. فهو غير مفهوم وغير مبرر وغير قانوني. غير مفهوم لأن الورشة اجتماعية بحتة. وتتعلق بتبادل الخبرات في مجال اجتماعي محدد بدقة هو "جرائم الشرف". وغير مبرر لأن النتائج التي ستترتب على هذا المنع لمشاركة سورية، هي بالغة السوء، ودون أي مقابل! وغير قانوني لأن أحدا لا يمكنه أن يخرج أي سند قانوني لمنع الوفد السوري من المشاركة في الورشة تلك!
ليس هناك شيء في عملنا مخفي. وحين قلنا أننا لا نتعامل مع السياسة أوضحنا بعبارات لا تقبل اللبس أن ذلك نابع من قناعتنا بالحاجة إلى العمل المجتمعي المستقل عن السياسة. وليس خوفاً أو تهرباً. وحين عملنا في أي من جوانب عملنا حرصنا كل الحرص على أن يكون ذلك مرئياً للعموم بكل تفاصيله الممكنة على صفحات الموقع. وقلنا وأثبتنا عملياً أننا لسنا بصدد معاداة أحد ولا مجابهة أحد. إنما بصدد حوار مفتوح جاد ومسؤول حول قضايا مجتمعنا الذي نؤمن أنه مجتمع كل عناصره، على اختلاف انتماءاتها واعتقاداتها.
فلماذا جرى ما جرى مساء 28/10/2006؟! وهل هو أي شيء آخر سوى طعنة قاسية لسورية في الوجه؟ وفي الوجه هنا لا تعني المواجهة، بل فقط تعني تشويه وجه بلدنا بأسوأ طريقة ممكنة!
يحق لنا أن نتساءل بألم ومرارة عمن لديه الجرأة الكافية لفعل ذلك؟ من لديه القدرة على الإساءة على هذا النحو لبلدنا بجرة قلم؟ ومن هي هذه "الجهات العليا" المتخفية التي تحرص كل هذا الحرص على عدم التصريح باسمها؟ وهل هي حقاً "جهات عليا"؟! أم هي "جهات أخرى" تلطت بعلاقاتها وتداخلاتها لأسباب تتعلق بمصالحها "الخاصة"؟! وهل فكر متخذو هذا القرار بما سيترتب عليه؟ هل تساءلوا كيف ستنظر هذه الدول والوفود المشاركة نحو منع الجهة الأهم في ورشة على مستوى دولي من حضورها، ودون أسباب؟ وأية آثار سيتركها على فكرة التعاون مع المجتمع السوري؟ وخاصة تعاون اليوروميد الهام جداً؟ وهو التعاون الذي عانى من برود شديد لسنوات طوال قبل أن يمكن كسره مؤخراً؟ وما الذي توخوه من مثل هذه الخطوة؟ أية أهداف تلطت خلف الكلمات الكبيرة؟
لدينا ما يمكننا من الثقة بأجوبة على هذه الأسئلة. لكننا لن نقولها الآن ولا فيما بعد. وكما تركنا لغيرنا اللعب من تحت الطاولة بكل ما فيه من "امتيازات"، ها نحن نترك أيضاً سياسة الفضائح المغرضة بكل ما فيها من "مكاسب" للآخرين! ولكننا نحمل هؤلاء المسؤولية كاملة عن أية إساءة تسبب، أو سيتسبب به هذا الإجراء.
ما سنقوله الآن هو أن الذين يعتقدون أن بإمكانهم فرض أنفسهم هم مخطئون. والذين يعتقدون أن علينا المرور من "البوابات" التي فصلوها على مقاساتهم هم مخطئون. لقد عملنا تطوعياً وبشكل مستقل طوال الفترة الماضية، أي أننا دفعنا من حياتنا اليومية وجهدنا وأعصابنا وجيوبنا التي بالكاد تكفي لسد الرمق. وهذا ما سنفعله دائما. وأياً كانت العقبات والمعوقات، ومهما وضعت العصي في العجلات، سوف نستمر بعملنا ونشاطنا، ونستمر بتقديم كل ما نراه صالحاً لأجل مجتمعنا وبلدنا، وسوف نستمر بالتحضير لورشات وندوات محلية وعربية ودولية..
هذا بلدنا ومن حقنا المساهمة في تطويره، قلناها ونكررها، ولسنا بوارد التنازل عن ذلك لأحد.

"نساء سورية"- (من طعن سورية.. في الوجه؟!)


خاص: "نساء سورية

0
0
0
s2smodern