جرائم الشرف

بعد طول انتظار وجحافل من نساء وفتيات ذهبن ضحايا ما يُسمى بجرائم الشرف، أصدر السيد الرئيس المرسوم التشريعي رقم 37 للعام 2009 حول تعديل المادة 548 من قانون العقوبات يتضمن ما يلي:
المادة 1- تلغى المادة  548 من قانون العقوبات ويستعاض عنها بالنص التالي:
يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود، أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلها أو إيذائها أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد. على أن لا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل.
لقد جاء هذا المرسوم ثمرةً لنضال المرأة السورية وجميع المهتمين بهذا الشأن من جمعيات نسائية وناشطين في هذا المجال، من خلال الحملة الرائعة ضد جرائم الشرف (أوقفوا جرائم الشرف) منذ أكثر من عامين. إضافة إلى الاتحاد العام النسائي والهيئة السورية لشؤون الأسرة.
إنه إنجاز تستحقه المرأة السورية، كما يستحق الوقوف عنده مليّاً بعد أن هُدِرَتْ دماء وأرواح نساء سوريات على مذبح الشرف الموهوم والمزعوم ولأسباب كانت في معظمها بعيدة عن موضوع الشرف والجرم المشهود.
هو اعتراف بحق المرأة في الحياة، وبأهمية دورها في صناعة المستقبل، وبأن النهضة الحقيقية للمجتمع لا تتم إلا ّ بتعزيز مكانتها وتمكينها بعد أن تميّزت بما قدمته على مساحة الوطن من رفد للتنمية بجميع مجالاتها، ومشاركتها ووصولها إلى مناصب هامّة أثبتت من خلالها جدارتها، وبالتالي فهي تستحق اهتمام الوطن وتقديره بحماية حياتها من الهدر دون ثمن يُذكر.
فكم من نساءٍ قُتلن تحت هذه اللافتة العريضة، بينما السبب الحقيقي هو إرث لم ترض المرأة أن تتنازل عنه، أو مهر كبير لا طاقة للزوج به أثناء الطلاق، أو.... أسباب كثيرة.
وقد بيّنت بعض الدراسات والإحصائيات أن 80% من ضحايا جرائم الشرف كنَّ عذراوات. وبالتالي فإن عذر الشرف في هذه الجرائم مُلغى تماماً، لأن القتل تمّ على الشبهة ودون تحقق من الفتاة أو المرأة ذاتها. وهذا يعني أن المرأة مشتبه بها ومطعونة بأخلاقها دائماً، وبأنها مثال لهدر شرف العائلة والعشيرة والملّة، فلا يجوز أن تُسأل بل يكون الخنجر لها بالمرصاد عند أية حركة رافضة لقيم التمييز والعنف واستغلال المجتمع والأسرة لحقوقها التي شرّعها لها الدين والقانون (الإرث مثلاً).
ونحن النساء لا نطالب بإعطاء المرأة حقاً مشابهاً لحق الرجل في القتل لحالات مشابهة (كأن تجد المرأة زوجها في وضع مريب أو شائن)، لأن مبدأ القتل بحد ذاته مرفوض لما يمثله من عنف وتمييز ضدّ البشر، فكيف بحالة الأخوّة أو الزوج..؟
كنّا نأمل على مدار أعوام وأعوام بالإلغاء التام للمادة 548 من قانون العقوبات السوري وتجريد الرجل من حق قتل المرأة وإناطته بالقانون فقط، أسوة ببعض الدول العربية التي شددت على مرتكبي جرائم الشرف ولاسيما الزوج ( تونس).
وهنا أيضاً كنّا نود لو أن المرسوم 37 قد أخذ بالحسبان حالة الزواج من خارج الطائفة فلا يُنظر إليها أو تُحاكم تحت لافتة جرائم الشرف، وإنما تحت لافتة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصّد، خاصة أن الكثير من هذه الجرائم تُرتكب بعد زمن طويل نسبياً من زواج الفتاة برجل من خارج الطائفة أو الملّة، ولا يمكن أن تندرج هذه الحالة تحت مسمى الشرف لأن الزواج تمّ وفق الأصول القانونية والشرعية لكن بعدم رغبة الأهل، أو تحايلهم على الفتاة بإظهار القبول ومن ثمّ قتلها عند اللحظة المناسبة، كما حدث للفتاة(ف. م) في محافظة السويداء يوم 25/5/2009.
لكن مع كل هذه الأمنيات يظلّ اعتبار الحد الأدنى لهذه الجرائم الحبس سنتين للقاتل أمراً قيّماً ورائعاً، فهذا قد يكون أدعى لإعمال العقل والتفكير قبل الإقدام على مثل هذه الجرائم بحق النساء.


إيمان أحمد ونوس، (تفاؤل وآمال جديدة مع المرسوم 37)

عن جريدة "النور"، (7/2009)

0
0
0
s2smodern