جرائم الشرف

في خضم الجدل الدائر في دمشق حول تعديل قانون الأحوال الشخصية، والذي لم يبت فيه بعد، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوما يقضي بإلغاء إحدى المواد المتعلقة بجرائم الشرف في قانون العقوبات، على أن يتم استبدالها بمادة تتشدد في عقوبة مرتكبي هذه الجرائم، ما اعتبره المطالبون بإلغاء هذه المادة من القانون والتي تمنح عذرا مخففا لمرتكبي هذه الجرائم بأنها "خطوة جيدة لكنها صغيرة وغير كافية".

وينص المرسوم التشريعي الصادر حديثا على أنه تم إلغاء المادة 548 واستبدلت بنص "يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلها أو إيذائها أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد على أن لا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل".

وكانت المادة 548 من قانون العقوبات التي تنص على أنه يستفيد من ضبط زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته بجرم الزنا المشهود من العذر المخفف وتخلو من تحديد العقوبة بسنتين كحد أدنى. وكانت جهات حقوقية وتجمعات أهلية تطالب بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات وعدم منح عذر مخفف لمرتكبي جرائم القتل بذريعة الدفاع عن الشرف أو غسل العار، سيما وأن غالبية ضحايا تلك الجرائم نساء بريئات ولا ينطبق على الجريمة وصف القتل بدافع الشرف، لا من حيث عنصر المفاجأة، إذ إن غالبيتها جرائم ترتكب عن سبق إصرار وتصميم، ولا من حيث واقعة الزنا أو ارتكاب الفعل الفاحش، فهناك حالات كثيرة تم فيها قتل نساء بسبب إقدامهن على الزواج من شخص من طائفة أخرى أو من ينتمي لدين غير دينها، وكان آخرها وقعت الشهر الماضي حيث أقدم شابان في ريف دمشق على قتل أختهما البالغة من العمر 21 عاما خنقا حتى الموت بعد ثلاثة أيام من زفافها بداعي "الشرف". علما أن القتيلة تزوجت من شاب تحبه وبموافقة والديها، إلا أن شقيقيها طلبا منها القدوم من منزل زوجها إلى منزل أهلها وقاما بقتلها وتوعدا بقتل الزوج. وقبلها بأسبوعين قتلت فتاة في حلب بعمر 18 عاما أيضا. وعدا ذلك أحيانا يكون الدافع الحقيقي للقتل الطمع بالميراث فيجرى التذرع بالدفاع عن الشرف للاستفادة من العذر المخفف، بحيث لا يمكث القاتل في السجن سوى أسابيع قليلة وأحيانا عدة أيام. إذ كان ينص قانون العقوبات السوري في المادة "242" على أنه "يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه".

إضافة للعديد من المواد القانونية "548" "192"، والتي تخفف الحكم على مرتكب الجرائم بداعي الشرف.

ويقول مرصد "نساء سورية" إن ما بين 200 و300 جريمة شرف تقع في سورية سنويا معظمها في المجتمعات الريفية أو البدوية، وإن نصف جرائم القتل التي ترتكب في سورية سنويا ترتكب ضد نساء وباسم الشرف.

فيما تشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد الجرائم التي وقعت في سورية بذريعة "الشرف" بلغت 38 جريمة من أصل 533 جريمة قتل حصلت في عام 2007. وبلغ عدد جرائم "الشرف" خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي 29 جريمة شرف، حيث سجلت محافظة إدلب في الشمال السوري أعلى نسبة من جرائم الشرف بواقع 22% ثم محافظة حلب بـ 15%.

ويتفاوت العمل وفق هذا العرف في المجتمع السوري، ما بين المدن والأرياف، ففي حين يكاد يختفي في المجتمع الدمشقي الذي يعمل بعرف "الله أمر بالستر" وبين المجتمع العشائري الذي يقيم عرسا لدى قتل فتاة مشكوك في سلوكها. وما بين طوائف وأديان تقبل الزواج من أبناء الطوائف والأديان الأخرى، وأقليات دينية تعتبر زواج بناتها من غير ملتها جريمة عقوبتها القتل. وقالت مصادر حقوقية لـ "الشرق الأوسط" إن "تشديد العقوبة لمدة سنتين ليس كافيا، ولا يمثل رادعا قويا، وهذه المادة كان يجب أن تلغى" إلا أن هناك من يعتقد صعوبة ذلك في مجتمع تدخل العشائر ضمن تركيبته الاجتماعية التي تعتبر الدفاع عن الشرف عرفا اجتماعيا لا يمكن الخروج عنه.

والعام الماضي رعت الحكومة السورية ملتقى وطنيا حول جرائم الشرف شارك فيه حقوقيون ورجال دين، دعت توصياته الختامية إلى تعميم فتاوى تحرم ارتكاب جرائم الشرف، ومنع استفادة مرتكبيها من العذر المحلل أو السبب المخفف للعقاب بحيث لا تقل عقوبة القاتل عن 15 عاما.


سعاد جروس، (سورية تشدد عقوبة جرائم الشرف وسط مطالبات بإلغاء العذر المخفف)

عن "الشرق الأوسط" السعودية، (7/2009)

0
0
0
s2smodern