جرائم الشرف

بتاريخ 1/ 7/ 2009 أصدر السيد رئيس الجمهورية المرسوم التشريعي رقم (37) القاضي بتعديل نص المادة (548) من قانون العقوبات السوري العام، بحيث أصبح وفق نص المادة (1) من المرسوم التشريعي المذكور، كما يلي:

(يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء احدهما بغير عمد على أن لا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل).

 وإذا كان صدور هذا المرسوم التشريعي الذي عدل جزئياً من سقف العقوبة المنصوص عنها في المادة (548) من قانون العقوبات من ستة أشهر إلى سنتين، يعد أمراً جيداً وخطوة إيجابية باتجاه إرساء قواعد العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية بين الجنسين..، فأنه أيضاً لم يكن ليرتقي إلى مستوى الطموحات والآمال المعقودة عليه، خاصة بعد المطالبات المتكررة والنداءات المستمرة من قبل شرائح وأوساط واسعة من المجتمع السوري وقواه الحقوقية والمدنية والسياسية..، بضرورة إلغاء أو (تغيير) جميع النصوص والمواد القانونية التي تلغي (تحل) أو تخفف العقوبة على مرتكبي جرائم إزهاق حياة المرأة باسم (الشرف).

 ونستطيع القول: أن هذا المرسوم لم يضع حداً لوقف ذبح النساء وقتلهم، حيث يستطيع مرتكبو الجرائم باسم (الشرف)، أن يفلتوا من العقاب بيسر وسهولة بالاستناد إلى العديد من نصوص المواد في قانون العقوبات السوري العام، مثل المواد: (192 و239 و240 و241 و242) التي بقيت على حالها بدون أي تغيير أو تعديل.

 ورغم أن جميع المواد القانونية في قانون العقوبات السوري العام، التي تعطي (تمنح) مرتكبي الجرائم باسم (الشرف) الأعذار المحلة أو المخففة..، هي مواد تتعارض بالمطلق مع روح القانون وجوهره ومع الشرعية الإسلامية ومع نصوص الدستور السوري والقوانين والمواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي وقعت وصادقت عليها الحكومات السورية والتزمت بإدخالها في صلب قوانينها ودساتيرها..، كما أن معظم هذه الجرائم باسم (الشرف) ترتكب لأسباب وذرائع غير الذريعة التي يتقدم بها القاتل. فقد يكون الدافع هو التخلص من أحد أفراد العائلة للحصول على الإرث والاستفراد به، أو أحياناً مجرد الزواج بغير موافقة الأسرة، أو الزواج من خارج الطائفة التي تنتمي إليها المرأة..الخ.

 نقول: رغم كل هذه الجراح والنزيف الحاد والمتواصل في جسد المجتمع السوري بكل ما يحمله من آلام نفسية مريرة وإرهاصات فكرية تنحدر بالعلاقات الإنسانية إلى الدرك الأسفل وتداعيات كبيرة على مستقبل هذا البلد وتطوره وتقدمه..، تبقى هذه القوانين وتستمر لتفعل فعلتها وتجعل من نصف المجتمع مهداً من قبل نصفه الآخر المكمل، دون أن نعرف المبرر والهدف من استمرارها وبقائها ؟!!!، رغم أن القوانين الوضعية وفي أي بلد توضع من أجل تحقيق أهداف وغايات ومقاصد معينة يبتغيها المشرع من وراء ذلك، حيث تتبدل هذه القوانين والتشريعات مع تبدل تلك الأهداف والغايات والمقاصد..، ونعتقد أن الأهداف والغايات والمقاصد..التي وضعها المشرع السوري، منذ صدور قانون العقوبات السوري العام، لم تعد كذلك بعد مرور أكثر من نصف قرن من الزمن على ذلك.

 أن الجرائم المرتكبة باسم (الشرف) في المجتمع السوري، كما في المجتمعات الشرقية عموماً، هي جرائم نابعة من بيئة ثقافية معينة تغذي ثقافة العنف والقهر.. ضد المرأة، حيث أن اختزال وجود المرأة إلى مجرد وعاء جنسي يعبر عن شرف العائلة أو القبيلة، أصبح في هذه المجتمعات ملكية شبه مشاع، فهناك وصاية من الأخ والأب إلى الزوج إلى أخ الزوج..الخ.

 وإذا كانت العقوبات الجزائية القاسية لا تمثل بنظرنا الحل الكامل لهذه القضية القانونية والاجتماعية الخطيرة والشائكة بنتائجها ومدلولاتها المتعددة. وقد لا تردع الجناة عن ارتكاب مثل هذه الجرائم في المستقبل، إلا أن ذلك يعتبر جزءاً مهماً من الحل الذي يجب أن يترافق مع حلول وإجراءات أخرى، منها على سبيل المثال وليس الحصر: إعادة النظر حول مفهوم جرائم (الشرف) واعتبار جرائم قتل النساء وإزهاق أرواحهم جرائم قتل وانتهاك الحق في الحياة..، وبالتالي إنزال أقسى العقوبات المقررة بحق مرتكبي هذه الجرائم، وكذلك إلغاء جميع المواد القانونية التي تحمل طابع التمييز وعدم المساواة والعنف.. بحق المرأة، وتجاوز الموروث الثقافي والاجتماعي المتخلف والعقلية الذكورية الوصائية البالية، والعمل على نشر ثقافة بديلة تحترم المرأة كإنسان كامل الحقوق والحريات وصياغة مفهوم جديد للشرف يقوم على كرم الأخلاق والتضحية والعمل والصدق والنبل..، بدلاً من جسد المرأة.


المحامي مصطفى أوسو، (المرسوم التشريعي رقم "37" المتعلق بجرائم الشرف: خطوة إلى الأمام.. ولكن؟)

عن جريدة العدالة، المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سورية (DAD)، (تموز/2009)

0
0
0
s2smodern