جرائم الشرف

توجّه جديد قام به نادي السينما في حمص الذي يقدم عروضه في صالة الدروبي بالتعاون مع مديرية الثقافة فيها، بعرضه الفيلم الأردني "جميلة" سيناريو وإخراج فيصل الزعبي، وذلك بالتعاون مع موقع نساء سورية الذي يقود حملة توعية ضد ما يسمى بـ "جرائم الشرف" مطالباً بتغيير قانوني يحمي المرأة والمجتمع من تبعات هذه الجريمة المقنعة، التي يعرف جزء منا خطورتها على المجتمع وأبنائه.

أدان الفيلم سلطة التقاليد في المجتمع التقليدي الذي لم تقاربه الحداثة بعد، أي لم يخضع لسلطة العقل، بل ظل أسير عادات وتقاليد، تدفع لمعاقبة النساء وفق أهواء الرجل الذي يسيطر عليها. فيعاقب المرأة سواء كانت غير عفيفة أو لمجرد الشك بعفتها، دون التأكد من ذلك، أو دون البحث عن الأسباب، فيرتكب في حقها ما يوصف عادة بـ "جرائم الشرف"! هذه الجرائم التي ندفع مع أخواتنا وبناتنا وأمهاتنا ثمناً باهظاً لعدم وجود سند قانوني يمنع حدوثها، إذ تؤثر على لحمة المجتمع وتعوّق نموه الطبيعي.

‏فالفيلم عرض لما تعرضت له فتاة ليلة عرسها من حدث إغماء ضمن طقوس الحنة في حمام شعبي للنساء، بسبب كثرة الأبخرة المتصاعدة من المياه الساخنة ومن البخور، إذ ظنت إحدى النساء أن الإغماء سببه الحمل فشاعت الخبر ليقرر سيد القرية أو مختارها الدكتور عمر قتلها وتكليف شقيقها بـ "غسل العار" ولما تردد كثيراًً أمر رجاله بقتلهما معاً. لكن الفيلم افتقد للعناصر الدرامية المقنعة لعرض الحدث والحبكة والخاتمة، وطغى عليه منذ اللحظات الأولى الريبورتاج الصحفي بما أن ثمة صحفية توجهت للقرية لتعرف أسباب الجريمة وذلك بناءً على رسائل وجهها لها عريس الفتاة. ولما كانت مهمة الصحفية ستكشف براءة الضحية مانع سيد القرية من نبش دفاتر الجريمة وهددها بإيذاء والد الضحيتين إن حاولت الصحفية الكتابة، وهذا ما يدفع والد الضحيتين لأن يطلب منها الرحيل والذي يكاد يجن لأنهم قتلوا ابنه وابنته. وإن كان من حق المخرج أن يختار لفيلمه طريقة بناء، لكن ضعف العناصر الدرامية فضلاً عن ضعف إدارته للممثلين الذين جاء أداؤهم مسرحياً لكثرة المبالغة في الانفعالات وتضخيم الصوت ومضاعفة البكاء، واستخدام غير موفق للمكان لتنفيذ فعل الجريمة الذي جاء غير مقنع ساهم في عدم تحقيق الاستمتاع بالمشاهدة. ‏

إذ لم يكن مقنعاً كل التردد الذي تعرض له شقيق العروس والذي لم يكن مسوغاً لاسيما وقد تربى في أوروبا مع عائلته وتلقى من والده تربية وثقافة عقلانية تحصنه من الشك بشقيقته وخضوعه لسلطة المجتمع التقليدي! وكاد الفيلم أن ينجح في رسم التناقض الذي وقعت فيه شخصية الدكتور عمر سيد القرية أو مختارها الذي درس في أوروبا وعاد ليحافظ على التقاليد وسكونية المجتمع التقليدي بدلاً من تطويره، لو لم يقدّم لنا والد عمر بتفكير مختلف، إذ صرح بعدم موافقته على تصرفات ابنه، وإن تأخر بذلك، فتحدث كيف أحب زوجته وكم مرة التقى بها عاشقاً. لكن الفيلم لم يسوّغ لنا صمت الوالد ولماذا لم يحاول وقف الجريمة؟ وكما يلاحظ أن المخرج انشغل فقط بإدانة الذكر وسلطته دون أن يضع دائرة واسعة من اللوم على ما فعلته المرأة التي هي سبب الجريمة في الفيلم من خلال شكها بحمل العروس وإشاعتها الخبر. فالمرأة مساهمة في الجريمة وإن كانت هي نتاج عقلية المجتمع الذكوري. وهذه مسألة لو عالجها الفيلم لكسب نقاطاً كثيرة لصالحه، فالمرأة غالباً ما تظلم نفسها في مجتمعنا، والتفصيل في ذلك ليس مقامه هنا. وما عجز الفيلم عن تقديمه لنا، حركة كاميرا مشبعة بالمشاعر والأحاسيس، كما لم يستطع استثمار طقوس الزواج في الزفاف التي ظهرت مبسترة، رغم أهميتها لاستكمال عناصر درامية لا بد منها لبناء أي فيلم، فغيابها ساهم في افتقاد الفيلم للتشويق والإثارة، فكشف نفسه منذ اللحظات الأولى. ونشير مرة ثانية إلى تأثّر الفيلم بفنيات المسرح لاسيما مشهد القتل ورؤيتنا كمشاهدين لأكياس الدم الموضوعة تحت لباس الممثلين بشكل فج لا يمت بصلة لفنيات السينما. وفي الفيلم أخطاء أخرى كنا نتمنى أن يشفع لها نبل القضية التي تنطع للدفاع عنها والتي يستحق المخرج أن نرفع له القبعة لأجلها فربما يكون فيلمه العمل الوحيد الذي يكرسه مخرج عربي لإدانة هذه الجرائم، وإدانة سلطة المجتمع التقليدي التي تساهم باستمرارها والتي لم تستطع السلطات العربية حتى الآن من سن قوانين لمنع حدوثها. ‏

من الممثلين الذين جسدوا الفيلم: نجوى قندقجي، عبدالكريم الجراح، مروان حمارنة، منذر رياحنة، رندة كراشة، عيسى سويدان، زهيرحسن، محتسب عارف. ‏


نضال بشارة، طغيان الريبورتاج الصحفي على الدراما في فيلم "جميلة")

عن جريدة "تشرين"، (3/3/2010)

0
0
0
s2smodern