جرائم الشرف

أطفالنا.. أكبادنا تمشي على الارض.. عبارة جميلة ذات معنى عميق تقدّس علاقتنا بأطفالنا وتلهمنا كيف يجب أن يكونوا بالنسبة لنا.


عندما حملت زوجتي بابنتنا الوحيدة، تمنّيت ودعوت لربي أن تكون أنثى لما للأنثى من جمال ورقة وحساسية، وهناك أربع أنواع من الحب تجاهها ولكل نوع لونه وطعمه الخاص به، فهناك حب الام الذي يملا القلب تقديراً واحتراماً وعطفاً عليها في شيخوختها كما كانت معنا عندما ربّتنا صغاراً.

وهناك العشق للزوجة الذي يعطي الحياة الزوجية حيويّة وديناميكية مستمرة تحتاجها هذه الرابطة الجميلة كما تحتاج الوردة الى ابريق الماء الذي يرويها يومياً، وهناك حب الاخت، رابطة الدم المعطاءة، ذلك الدم الذي لا يمكن أن يصير ماءً.

وأما قمة الحب فهو الحب الابوي الطاهر الحنون الذي تتفتّح له شرايين القلب لتعطي كلَّ ما فيها دون حدود لفلذة الكبد.

ولا يشعر الانسان بمدى حب وعاطفة الابوين لابنائهم الاّ عندما ينجب. وفي أغنية وديع الصافي العذبة خير مثال.. من غير ما الانسان يصبح بيّ ما بيعرف فضل اهله عليه.. وأنا أضيف: من غير ما الانسان يصبح أب أو أم لا يعرف مدى حب أبويه له.

إذن فالطفل هو تاج الحب والحنان وقمته، ذلك الحب الذي رزقنا الله إياه فهو أثمن ما في هذا الكون، والذي لا افهمه أو أستطيع تفسيره بأي شكل من الاشكال، كيف يمكن لاي إنسان أن يمس بسوء هذه البراءة الطفولية وكل مرة أسمع بها أن أباً قتل إبنته بداعي (الشرف) أو زوّجها بسن الاربعة عشر، أُصاب بصعقة كهربائية تذهلني فأقف فاتحاً فاهي لفترة قراءة الخبر وما بعدها بدقائق حتى أرجع لصوابي لاتذكّر ان فمي مازال مفتوحاً فأغلقه!!

كثيراً ما يتردد في المقالات المنشورة على صفحات هذا الموقع سؤالاً يطرحه أولئك المبررين لجريمة (الشرف) على من يرفض وحشية هذه الفعلة.. اذا خانتك زوجتك أو زنت إبنتك فهل تقول لها معليش لا بقى تعيديها؟!!! وهؤلاء يستغلّون النخوة والشرف (كما قال أحد المعلّقين بحق) لاحراج من يريد التجرّأ بالرد ويريدون أن يظهروا بأنهم هم الشرفاء ومن لا يقتل زوجته أو ابنته فهو عديم الشرف ولا يعود شرفه له الا اذا قتل.

حسناً يا سادة فأنا سأتبرّع واتجرّأ بالرد عليكم هنا.. أولاً: فيما يتعلّق بالزوجة فأنا وأمثالي نحمد الله على حسن أختيارنا وهذا من أهم الامور قبل أن يتزوج المتزوج وقبل أن يخون الخائن فيمكن للمرء أن يتأكّد ممن سيصبح في بيته ويشاركه الحلو والمر طوال حياته قبل أن يقدم على الارتباط وقبل فوات الاوان، ولكن عندما يصبح الزواج بطرد بريدي أو كما يقال بالعامية (عالغمّيضي) أو عندما يصبح صفقة تجارية بين أب لامسؤول أنجب تسعة بنات ولا يعرف كيف يعيلهن فيطلب من أمهن المسكينة أن تترقب كل واحدة منهن حتى يظهر عليها أول برعم يشير الى سن البلوغ فتصبح في نظره النعجة التي أصبحت ناضجة للبيع فيسوقها الى (مسلخ الزواج) ثم يبيعها بورقة تسمى عقد النكاح.

وهنا تكمن الكارثة وهنا يصبح احتمال الخيانة أعلى بكثير لان هذه المسكينة بيعت لشخص مجهول لا تعرف عنه شيئاً ولا يعرف عنها شيئاً فتصبح المسألة مسألة (يا نصيب) وحساب احتمالات، واحتمال الربح لورقة يانصيب للجائزة الكبرى هو واحد على أربعة عشر مليون!!

كيف لهذه الطفلة أن تسيّر أمورها النفسية والعاطفية والمادية في مجتمع أصبح على درجة من التعقيد بحيث نحتاج الى خبرة وحكمة ونضج لتذليل العقبات التي تعترضنا، وكيف ستكون علاقتها مع من تزوجها سواءً أكان في الثامنة عشرة من عمره، مراهقاّ لم يكتمل نضوجه الفكري والعقلي والعاطفي بعد، أم كهلاً في الاربعين وذلك يكفي ليعطينا فكرة عن مدى الاستغلال الدنيء الذي يتمتع به هذا الانسان. كل هذه الامور تشكل فتيلاً يمكن أن يشتعل في أي لحظة ليفجّر هذه الرابطة وينسفها من أساسها لتصبح هذه الفتاة ضحية تكالب عليها أهلها ومجتمعها ومن تزوجته فما ان تنساق نحو عاطفتها الملغاة وتزلّ قدمها في هاوية الخيانة حتى يأتي هؤلاء الجزّارين مرة أخرى ولكن لا ليزوّجوها هذه المرة وانما ليقتلوها.

دعونا نعود الى لب الموضوع وللسؤال الذي يطرحه أؤلئك المبررين لجريمة(الشرف).. لو خانتك زوجتك.. فأقول لهم: هذا لن يحدث، ولكن لو فرضنا جدلاً أنه حدث لا سمح الله، فأول ما أفعله هو أن أذهب الى المرآة وأتحدث الى ذاتي.. أيها الرجل هل خنت زوجتك قبل أن تخونك؟! هل أهملتها؟! هل فعلت شيئاً شنيعاً يستحق أن تخونك؟!.. هل كنت ظالماً أو محتقراً أو مهيناً لها؟!.. هل كنت تضربها أو تؤذيها وهل كنت تقوم ولو بالحد الادنى من واجباتك الزوجية؟! أسئلة وأسئلة أطرحها على ذاتي فترد ايجاباً أو سلباً وفي كلا الحالتين سيكون رد فعلي كالتالي:.. يا أمرأة احزمي أمتعتك فأنت طالق.. طالق.. طالق.. أقولها بقلب منكسر وتأنيب للضمير وشعور بالذنب اذا كانت إجابات المرآة إيجاباً، وأقولها بقلب منكسر ملأته المرارة وفتّته الغدر عندما تكون إجابات المرآة سلباً.

في كلا الحالتين.. لا قتل.. لا جرائم.. ولا دماء.. كلٌّ يذهب بحال سبيله فتنطوي صفحة سوداء من هذه الحياة لتعود المياه الى مجاريها. فاذا كنت سائراً ذات مرة في طريقي ونظر اليّ أحد الاشخاص نظرة مريبة.. فليذهب الى الجحيم.

أما عندما يتعلق الامر بالابنة أو الاخت فتصبح المسألة أكثر تعقيداً ولكن المبدأ واحد ويعود للتربية الاساسية منذ نعومة الاظفار ولا أعتقد أن تربية سليمة ورعاية مستمرة تسودها الصراحة والمحبة والثقة بين الفتاة وأبويها وخاصة أمها يمكن أن تؤدي الى إنزلاقها في متاهات لا يحمد عقباها. واذا عدنا ثانية الى سؤال المبررين لجريمة (الشرف).. اذا زنت إبنتك..

فأقول لهم هذه المرة: أيها المجرمون كيف لي أن أقتل فلذة كبدي مهما كان الذنب الذي أقترفته؟!!!! نعم سأغضب.. نعم سأحزن.. نعم سأثور.. ولكنني سأعود الى رشدي وأجلس مع ابنتي وأمها جلسات طوال كي نوعّيها ونفهمها كي تستوعب أبعاد الخطيئة التي ارتكبتها في مجتمع لا يغفر مثل هذه الاخطاء ثم نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه فابنتي تبقى ابنتي وأختي تبقى أختي ومرة أخرى.. لا قتل.. لاجرائم.. ولا دماء.. ومن يحرّض على ذلك أو يعتبر أن الشرف لا يُغسل الاّ بالدماء.. فليذهب الى الجحيم..


Dr. Y، (سأغمرك بحناني يا ابنتي وليذهب مجرمي (الشرف) ومزوّجي الاطفال الى الجحيم.. )

عن "سيريانيوز"، (12/2010)

0
0
0
s2smodern