جرائم الشرف

تباينت الآراء حول التعديل الأخير الذي أصاب القانون (548) الذي رفع الحد الأدنى لعقوبة القاتل بحجّة الشرف من سنتين إلى خمس سنوات, ففي حين رأى البعض في التعديل خطوة إيجابية نحو الأمام اعترض البعض الآخر على هذا التقييم وكان رأيهم أنه لا يغيّر شيئاً جوهرياً في الواقع.. اللهم إلا إنجاز وصول الحد الأدنى لعقوبة قتل امرأة باسم الشرف إلى ما هو أعلى من بعض عقوبات المخالفات التموينية والاختلاس البسيط (هذا إن عوقِبت أصلاً).

لكي نتحدّث عن تطوّر إيجابي في هذا التعديل يجب أن نعتبر أن المشكلة كانت في قلّة عدد سنوات الحد الأدنى من العقوبة حسب هذا القانون, ففي هذه الحالة نستطيع أن نقول أن هذا الحد الأدنى قد ارتفع ضعفاً ونصف وأصبحت عقوبة القتل باسم الشرف أكبر من عقوبات جرائم وجنايات صغيرة أخرى, من أراد أن يعتبر ذلك فليفعل طبعاً, لكن المسألة الرئيسة والأساسية ليست في عدد السنوات التي يمكن أن يرتفع الحد الأدنى للعقوبة بل في وجود مادة في قانون عقوبات دولة نطمح لأن تكون دولة مساواة ومدنية تعترف لقاتل أخته أو زوجته أو قريبته بـ حقّه في حكم مخفف ومختلف عن الحكم الذي كان سيناله لو قتل رجلاً في مشاجرة على سبيل المثال. إن وجود هذه المادة بحد ذاته هدية قانونية للقاتل, حتى لو كان عدد سنوات الحكم مساوياً لجرائم القتل الأخرى, يكفي أن يحاكم بمادة قانونية خاصة وكأن قتل النساء بذريعة الشرف هي حالة مختلفة عن جرائم القتل الأخرى (و ما هو أخطر هي أرخص أو أقل أهمية), هذه هي المشكلة يا سادة وليس عدد سنوات الحكم المخفف لأسباب قانونيّة.

فات الكثير من المهتمين بشأن جرائم الشرف نقطة مهمة بخصوص هذا التعديل, ألا وهي أن المادة (548) ليست الوحيدة التي يستند إليها القضاء لمنح الأوسمة لقتلة النساء باسم الشرف, فعلى سبيل المثال لو عدنا إلى مأساة زهرة عزو لرأينا أن شقيقها الذي قتلها مع سبق الإصرار والترصّد والتخطيط ومع وجود نيّة واضحة للقتل (ما يُفترض أن يناقض منحه الأسباب المخففة حسب المادة 548 التي تشترط عنصر المفاجأة وعدم وجود نيّة للقتل) نال وسامه بمباركة المادة (192) من قانون العقوبات الذي ينص على منح الأسباب المخففة للقاتل بدافع شريف, وهناك مواد أخرى من قانون العقوبات يمكن الاعتماد عليها لتهريب القاتل من مسؤوليته أمام الحق والعدالة عدا المادة (192) لم تُعدّل, ولا يكفي تعديلها هي الأخرى لكي نعتبر أن الجهد القانوني قد حقق أهدافه وإنما نحتاج إلى إرساء ثقافة قانونية منفتحة ومؤمنة بالمساواة بين الجنسين كما ينص الدستور وتشير جميع المواثيق والأعراف الإنسانيّة.

إن وجود هذه المواد هو السند والأساس القانوني لعقلية متخلفة ومتحجرة, عقلية يجب أن تُحارب على كلّ الجبهات وليس فقط في النشاط القانوني.. يجب أن تحارب في التعليم, في الحياة العامة, في الإعلام والصحافة والثقافة والفن, يجب أن تُحارب في كلّ مكان. بالتأكيد لن تُحلّ مشكلة التمييز ضد المرأة بإلغاء هذه المادة القانونية, لكن أيادي الناشطات والناشطين مكبّلة طالما وُجدت مادة قانونية تقرّ أن قتل المرأة بذريعة الشرف هو أقل شرّاً من أي جريمة قتل أخرى. ولا علاقة لهذا الأمر بـ نشر الرذيلة وتشريع الزنا وغيرها من الخزعبلات التي يمكن أن يطلقها بعض الموتورين رغبةً منهم بتمييع وتضييع القضية الأساسية وهي أنه لا يمكن لدولة عصرية أن تبارك قتل مواطن لمواطن آخر إن كان لهذا القتل أسباب, خصوصاً إن كانت أسباباً تنتمي لعقلية متخلّفة أكل عليها الزمان وشرب, وخصوصاً إن كانت هذه الأسباب تميّز بين المواطنين على أساس الجنس.. هذه هي القضية الأساسية وما عداها ليس إلا مفرقعات يائسة.

إن كان علينا البحث عن وجه إيجابي لهذا التعديل فلربما علينا أن نشير إلى أن صدوره, حتى لو لم يكن كافياً على الإطلاق, يشير إلى أن الجهود الحقوقية لعشرات الناشطات والناشطين في هذا المجال تنال ثمارها حتى لو لم تكن بالشكل المطلوب, وهذا يشكّل حافزاً لمزيد من العمل المتواصل حتى الوصول إلى الوضع الذي نريد, ونعتقد أن سوريا تستحق.


ياسين السويحة، (تعديل قانون مكافأة جرائم الشرف.. غير كافٍ !)

عن أمواج إسبانية في فرات الشام، (11/1/2011)

0
0
0
s2smodern