حياتنا الجنسية

إذا كانت البيولوجيا هي أساس الجنس عند البشر، فإن المتعة هي الطابع الإنساني لها. وهو الطابع الذي يجعل من الجنس عند البشر عملية مختلفة كليا عنه عند باقي الكائنات الحية المرتبطة عموما بالتناسل، والإفرازات الكيميائية التناسلية، أي بمواسم التزاوج.

والمتعة، أي تلك المشاعر التي تجعل من العملية الجنسية أمرا مرغوبا عقليا، لا تتأتى تلقائيا من تفاعلات الجسد، بل تحديدا من العقل الذي يعيد ترتيب تفاعلات الجسد أحادية الجانب في سياق تشاركي ينقل تلك المشاعر الغريزية إلى مستوى مختلف كليا.

أي أن الرغبة المشتركة بالقيام بالفعل الجنسي في لحظة معينة، يشكل أساسا لا يمكن الاستغناء عنه لتحقيق المتعة.

هذا الكلام الذي يبدو بديهيا للكثير من الأشخاص، ليس كذلك عمليا. فواقع العلاقات الجنسية في سورية (وهي المنطقة التي تهمنا في المرصد)، يشير  إلى أزمة عميقة وشديدة الوطأة في تحقيق المتعة الجنسية عند الطرفين، وليس عند طرف واحد (المرأة) كما يعتقد البعض.

إذ يشكو الكثير من الرجال من أن ممارستهم الجنس لا تحقق لهم "الرضى"، وهي الكلمة الأكثر تداولا بمعنى "المتعة"، رغم مفاخرتهم بـ"قدراتهم الجنسية"! وغالبا ما يبحثون عن حجج مختلفة لتعليق الأسباب عليها، مثل شكل جسد الشريك الجنسي (الزوجة عادة)، عدم تفاعل الشريك، التعب، القذف السريع، الانشغال الذهني.. إلى ما هنالك من حجج معروفة.

بينما نادرا ما تشكو النساء من الإخفاق المزمن في الرضى الجنسي، إذ يشكل الصد القاسي من الرجل عند التكلم بالأمر، إضافة إلى الخطر المجتمعي المترتب على انكشاف أنها "تشكو" حالها الجنسي (أي خطر أنها تشعر بالرغبة غير الملباة جنسيا)، يشكل سدا مانعا غالبا ما يتحول إلى اقتناع ذاتي بأن المشكلة هي فيها! أي تردد فيها حجج الرجل نفسها! أو تعتبر ذلك هو "الأمر الطبيعي" في غالب الأحوال!

وإذ تميل المرأة أكثر من الرجل إلى التشاركية في الفعل الجنسي، بسبب من العنف والتمييز الذي تتلقاه من الصغر والذي يركز على ضرورة إتقان دورها "كأنثى"، فإن الرجل في مجتمعنا يميل أكثر إلى الفردية فيه، نتيجة السبب نفسه، أي حصر المجتمع له (من خلال التربية) في دور البطل الفاتح الذي لا يحتاج إلا أن يقوم بفعل الإيلاج كفاعل، لا كمتفاعل!

يؤدي هذا الإقصاء المتبادل في الفعل الجنسي إلى خوض تجربة الفعل الجسدي بينما مشاعر ودواخل كل منهما بعيدة كليا عن الآخر. وليس نادرا أن يجد كل منهما طريقة لمشاركة استيهامية عن طريق استحضار شخص ما كبديل للشريك (قد يكون شخصا مشهورا، أو مجرد شخص غير موجود حقيقة بل يجسد تمنيات من يستدعيه)، الأمر الذي يزيد من وطأة الفردانية في الفعل الجنسي، ويزيد من غياب أي مستوى من المتعة فيه.


- نساء سورية، (التشاركية أساس في تجربة جنسية ممتعة (1))

خاص مرصد نساء سورية

0
0
0
s2smodern