مرصد العنف والإعلام

لا يختلف اثنان على أن (الفيس بوك) بات فضاء للالتقاء بلا حواجز ولا قيود. وتحول الى ساحة للحوار الأدبي والفكري بوصفه نافذة مفتوحة على العالم بأكمله.. بل لقد أصبح تصفح (الفيس بوك) من عاداتنا اليومية التي لاتقل أهمية عن احتساء قهوة الصباح على أنغام فيروزية، وهناك من يقضي معظم اليوم أمامه حتى ولو كان ذلك على حساب ساعات النوم الضرورية.

وهذا الإدمان الفيس بوكي طرح تساؤلاً: ماذا لو تخيل شباب جيلنا العيش بدون (الفيس بوك)؟؟ سؤال أعتقد أنه سيشكل حالة من القلق لدى الكثيرين ممن أصبح (الفيس بوك) بالنسبة لهم الأرشيف والأجندة الشخصية التي تختزن كل ذكرياتهم وأفكارهم والأحداث التي شاركوا فيها...الخ.
الشيء الأكيد أنه سيكون هناك بدائل تحل محل (الفيس بوك) ولكن يا ترى هل سيتمتع فيها الناس بنفس القدر من الحرية الذي يتمتعون به في (الفيس بوك)؟
وهل ستكون هذه البدائل قريبة من الواقع المعاش لكل مستخدم؟ ربما نعم وربما لا..
أجمل ما يروقني في (الفيس بوك) هو ذلك التنوع الذي يراه أي مستخدم له، فأنت تستطيع أن ترى الحقيقة والكذب.. الدين والإلحاد.. الرأي والرأي الآخر.. في (الفيس بوك) تستطيع أن تكون أنت ولا أحد سواك ولك حرية التعبير عن أفكارك الدينية والسياسية والاجتماعية دون التفكير بأي قيد، فلا رقيب عليك سوى نفسك. وهذا ما حوله من مجرد موقع الكتروني افتراضي كما يراه البعض الى شبكة عالمية للتواصل الواقعي الحي أيضا.
ولعل دخول(الفيس بوك) حياتنا وبشكل كبير قد دعا البعض الى أن يطلق على جيلنا مصطلح (شباب الفيس بوك) وأنا أعتقد أن هذا المصطلح مضلل ويحمل في طياته معان ٍسلبية تنعكس على جيل الشباب و(الفيس بوك) على حد سواء..
فمن ناحية أعتقد أن الانسان بشكل عام لا يتغير، بل المجتمع والبيئة المحيطة به هي التي تتغير، ومن ثم يقوم الانسان بعملية تكيف مع الواقع الجديد. والانترنت بشكل عام و(الفيس بوك) تحديداً هي عبارة عن وسيلة تغيير في سلوك الأفراد حالياً، أي أن كل ما يحدث على الانترنت والمواقع الالكترونية ليس بفعل الانترنت بل عبره. أي دور شبكات الاعلام هو كدور المنشور السري والاجتماعات الحزبية سابقاً. وهذا يشبه تماماً ما حدث في ثورة 25ينايرفي مصر مؤخراً. حيث استطاع الشباب تحويل تفاعلات الواقع الافتراضي الى حراك شعبي فاعل ومؤثر يعبر عن طموح ومطالب شعب طامح للحرية. فالناس برأيي هم الناس ولكن وسائل التفكير وتطبيقه وطرق بث الأفكار وتناقلها اختلف. وهذا ما جعل من (الفيس بوك)مجالاً عاماً لتبادل الآراء وتكوين القرارات.
ومن ناحية أخرى فقد طرح (الفيس بوك) ما يسمى بالإعلام الجديد الذي وسع امكانيات الفرد وأحالها الى امكانيات مؤسسية في النشر والاخراج والتعليق والاتصال والتجمع وإدارة الحوار. وبالنتيجة كل وسيلة اتصال سواء كانت الكترونية أو غيرها لها جانبان من البياض والسواد، والمحك هو في الأشخاص الذين يستخدمونها ويحيلونها الى فضاء أبيض أو أقبية سوداء.
وطبعا لا أنكر أن الكثيرين في مجتمعاتنا العربية مازالوا ينظرون الى (الفيس بوك) على أنه وسيلة للتسلية لا أكثر. وهناك من يفيضون بذاتية ساذجة في الرغبة بالإعلان والترويج لأنفسهم. ولكن هذا لا يعني أن هناك قطاعاً كبيراً من سكان (الفيس بوك) يجدون فيه ما يخدم اختصاصهم ويسهم في تحقيق ذواتهم اجتماعياً.
أياً كانت هذه الآراء فهي لن تقلل من أهمية وجود هذا الموقع الالكتروني في حياة كل شاب يبحث عن الحرية بمختلف أشكالها.. ولكن هل سيكون ثمن الحرية المطلقة غالياً؟ وهل حقاً الحرية المطلقة هي هلاك مطلق؟ أم أن الحرية ستكون طريقنا للإبداع؟؟


نسرين أنابلي، (كيف نعيش حياتنا بدون الفيس بوك؟!)

خاص: مرصد نساء سورية

0
0
0
s2smodern