الإتجار بالبشر

في العام 2005 بدأت في سورية الجهود الحكومية بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة لمعالجة الاتجار بالأشخاص، خاصة بعد وصول أعداد كبيرة من اللاجئين من العراق، وقد صدر المرسوم التشريعي رقم 3 لعام  2010 المتعلق بمنع جرائم الاتجار بالأشخاص، حيث هدف إلى منع ومكافحة الاتجار بالأشخاص، وإيلاء اهتمام خاص بالنساء والأطفال، ضحايا هذا الاتجار، وحماية ضحايا الاتجار ومساعدتهم، وتقديم الرعاية المناسبة لهم، واحترام كامل حقوقهم الإنسانية، إضافة إلى  تعزيز التعاون الدولي في مواجهة مرتكبي جرائم الاتجار بالأشخاص، وإيجاد أساس تشريعي لثقافة اجتماعية تسهم في الوقاية من هذه الجريمة، وتحسن التعامل مع آثارها، وبصدور المرسوم الذي حمل في طيّاته نقاط مضيئة، أهمها: لأوّل مرة في تاريخ التشريع السوري يتمّ إقرار مبدأ عدم محاسبة الضحية، فأصبحت الصورة أكثر وضوحاً في القانون السوري، بعدما كان المحامون يلجؤون إلى قوانين غير محدّدة ولا مختصة.

وتؤكّد الإحصاءات الرسمية المتعلقة بعدد الجرائم، والتي ضبطتها جهات وزارة الداخلية، أنّ جرائم تعاطي الدعارة السرية الواقعة في سورية خلال العام 2008 بلغ عددها نحو355 جريمة، بانخفاض واضح عن العام 2007 إذ بلغ نحو 80 جريمة؛ أي ما نسبته 18 %، وقد جاءت دمشق أولاً في عدد الجرائم المسجلة بنحو 102 جريمة؛ أي ما يعادل 29 % من الإجمالي، فيما لم تسجّل أية جريمة من هذا النوع في القنيطرة، وفي ظلّ إحصاءات جرائم تعاطي الدعارة السرية، التي تعدّ إحدى جرائم الاتجار بالبشر، والتي ربما زادت نسبتها حتى الآن، يبقى التساؤل المشروع: كيف نمنع جرائم الاتجار بالأشخاص في سورية ؟ وما المطلوب لذلك؟

عزو: أثبتت الدراسات أنّ سورية بعيدة عن هذه الجريمة المنظمة
المهندسة آمال عزو، رئيسة مكتب المنظمات الفرعي لحزب البعث العربي الاشتراكي، والباحثة في قضايا المرأة، أجابت: «تجارة البشر أكبر تجارة لا شرعية في العالم، حيث تقدر منظمة العمل الدولية، في آخر تقريرٍ لها، أرباح استغلال النساء والأطفال جنسياً بـ 28 مليار دولار، وأرباح العمالة الإجبارية 32 مليار دولار، ونسبة من يقع عليهم العنف في هذه التجارة غير المشروعة في العالم 98 % من ضحايا الاستغلال التجاري الإجباري، من النساء والأطفال، حيث يتعرض 3 ملايين إنسان في العالم للاتجار، بينهم 1.2 مليون طفل، ويتم الاتجار بطفلين على الأقل في الدقيقة للاستغلال الجنسي أو العبودية، ومع ذلك لا تتمّ معاقبة إلا شخصين من كل 5000 جريمة اتجار في العالم، فأحياناً تتمّ السيطرة على المرأة، وإجبارها على القيام بأعمال يرفضها الآخرون في ظلّ غياب الأطر القانونية والتشريعية المنظمة، والانفتاح الاقتصادي الذي شهده العالم، وما رافقه من تشدد في سياسات الهجرة والسفر أعطى تجار البشر فرصة ذهبية لاستغلال النساء، وحاجتهنّ إلى العمل والسفر، إضافة إلى كلّ ذلك تدهور القيم الإنسانية، وتراجع قيمة الإنسان أمام الرغبة في الربح.
وفي سورية أثبتت معظم الدراسات أنّ سورية بعيدة عن هذه الجريمة المنظَّمة، ولكن قد يظهر بعض الممارسات الخاطئة من قبل بعض الأفراد، وصدر المرسوم التشريعي رقم  3 لعام 2010، الذي منع الاتجار بالأشخاص وأكد مكافحته وإيلاء اهتمام خاص بالنساء والأطفال ضحايا هذا الاتجار، وحماية ضحايا الاتجار ومساعدتهم، وتقديم الرعاية المناسبة لهم واحترام كامل حقوقهم الإنسانية، وإحداث دور رعاية للضحايا فعندما تكون المرأة المعنفة أو التي تقع ضحية هذا النوع من التجارة لا تعرف ربما أين تذهب، فهنا يكون دور المأوى لإيلاء الاهتمام لهؤلاء النساء وتعليمهن بعض المهن وفتح المستقبل أمامهن. وقد بدأ العمل منذ عام 2007 بالتعاون مع وزارة الداخلية ومنظمة الهجرة الدولية للتعريف بمفهوم الاتجار بالأشخاص هذا الموضوع يحتاج إلى المزيد من التوعية الشعبية بمفهوم الاتجار بالأشخاص وتم إحداث دائرة مختصة في مكافحة الاتجار بالأشخاص تتبع لوزارة الداخلية مهمتها تنسيق التعاون الدولي مع المنظمات المعنية، وأخيراً لابد من نشر التثقيف الاجتماعي. فمن الممكن أن يؤدي إلى مكافحة هذه التجارة ويجب التعاون مع مختلف الجهات المعنية وعلى وسائل الإعلام تسليط الضوء على هذه التجارة اللاشرعية.

السراج: المشكلة اليوم مشكلة دولية وليست محلية
الدكتور عبود السراج المحاضر في جامعة دمشق كلية الحقوق ورئيس الوفد السوري بتفويض من وزير الخارجية في باليرمو (إيطاليا) لتوقيع الاتفاقية الخاصة بالاتجار بالأشخاص والبروتوكول الخاص بالنساء والأطفال، أجاب: «موضوع مهم على الصعيد الدولي ومهم في سورية، وإن كان لا يوجد في سورية نسبة كبيرة من الاتجار بالبشر وإنما حالات معدودة، إذا ماقيست بالدول المجاورة أو الدول الأجنبية. فسورية منطقة عبور ويمكن أن تمر نساء من بعض الدول للوصول إلى دول أخرى، لذلك من الطبيعي أن يكون هناك تعاون دولي بينا وبين الدول الأخرى لمكافحة هذه الظاهرة، ومن المفيد جداً أن يكون لدينا قانون لمعاقبة الأشخاص الذين يتاجرون بالبشر، فالمشكلة اليوم مشكلة دولية وليست محلية، وإذا عدنا إلى إحصاءات الأمن الجنائي حول هذا الموضوع، تبين وجود حالات عدة، فالدعارة موجودة لدينا وهذا نوع من الاتجار لكن هذا الاتجار توسع وأصبح عملية بيع وشراء وخاصة الأطفال والنساء، فهذه الظاهرة ينتج عنها مشاكل ومخاطر اجتماعية ونفسية واقتصادية، وهدف المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2010 إلى منع ومكافحة الاتجار بالأشخاص وحماية الضحايا ومساعدتهم وتقديم الرعاية لهم واحترام كامل حقوقهم، وقد حدد القانون عقوبة الاعتقال لمدة لا تقل عن سبع سنوات للأشخاص الذين يتاجرون بالأشخاص، إضافة إلى غرامة مالية كبيرة من مليون إلى 3 ملايين ليرة سورية، وأهم ما أراه في القانون هو الاهتمام بالضحايا، فقد أثبتت الدراسات أن أغلب النساء والأطفال المتاجر بهم يتم إيذاؤهم جسدياً ومعنوياً، وهم بحاجة إلى دور رعاية تكون أشبه بمستشفى فيه أطباء صحة وأطباء نفسيون واجتماعيون، حتى تستطيع المرأة المغتصبة أو التي أجبرت على ممارسة الدعارة أن توضع في مكان يوليها الرعاية والاهتمام الكافي ووزارة الشؤون الاجتماعية هي المكلفة بذلك. والأهم من ذلك، يلزمنا ثقافة اجتماعية قد تكلفت وزارة الداخلية بإحداث إدارة لمكافحة الاتجار بالأشخاص هذه الإدارة تتولى عدداً من المهام على رأسها التعاون الدولي والمتابعة ومراقبة الحدود والمطارات، لأنها ناحية مهمة لمعرفة الأشخاص الذين يتاجرون بالأشخاص والمشاكل المترتبة عليهم. فالكثير من النساء والأطفال يهربون من سورية خارجاً، وقسم منهم يمرون على الحدود، لكن كيف لا أعرف وهذا دليل على وجود نقص في الرقابة والمتابعة ومراقبة الحدود، وهناك نقطة مهمة؛ أن إدارة مكافحة الاتجار بالأشخاص من مهامها الأساسية وضع السياسة العامة والاستراتيجيات والخطط لمكافحة عمليات الاتجار بالأشخاص ونشر الثقافة الإعلامية، إذ إن هذا نقطة أساسية وضرورية. 

القويدر: يجب زيادة التوعية الشاملة بشكل دقيق
معمر القويدر مدير الشؤون الاجتماعية في دمشق، أجاب: «أصبح للاتجار بالأشخاص أشكال متعددة، سواء من الاعتداء الجنسي أو الاتجار بالأشخاص والعمالة القسرية  إلى الاتجار بالأطفال والاتجار بالأعضاء البشرية وهذه تعتبر كلها أوجه جديدة للاتجار بالأشخاص، ورغم ذلك هذه الظاهرة غير موجودة بكثرة في سورية، فهي ليست ناتجة عن حالات مقيمة في سورية، وإنما من قبل أشخاص وافدين من دول أخرى إما للإقامة أو المرور عبر الأراضي السورية، لكن مكافحة الموجود ومنع المزيد من الجرائم يتم بالتعاون بين مختلف الجهات المعنية من وزارة الصحة والداخلية والتعليم العالي والشؤون الاجتماعية وبدعم من المجتمع الأهلي ويجب زيادة التوعية الشاملة بشكل دقيق وإحداث برامج مستمرة لعملية التوعية للأطفال والنساء بشكل خاص.
ومن مهام وزارة الشؤون الاجتماعية الأساسية هي رعاية الفئات المستضعفة في سورية وذوي الاحتياجات وتأمين دور رعاية لهم وأتى مرسوم السيد الرئيس رقم 3 لعام 2010 حيث نصت المادة/ 4/منه أن تتولى وزارة الشؤون على إحداث دور رعاية لضحايا الاتجار بالبشر وكانت الوزارة قبل صدور المرسوم بعام ونصف عملت على إحداث مأوى وبموافقة رئاسة مجلس الوزراء للاتجار بالبشر بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، وتم إحداث المأوى في أحد فروع معاهد الرعاية الاجتماعية الكائن في معهد الإعاقة السمعية الكائن في باب مصلى وحالياً يأوي ما يقارب 24 شخصاً، ومنذ ثلاثة أشهر تم إحداث مأوى آخر في محافظة حلب مهمة المأوى رعاية ضحايا الاتجار بالبشر وتقديم الخدمات الاجتماعية والنفسية. وهدف المرسوم إلى ضبط آلية الاتجار بالأشخاص والحد منها وكشفها لتفادي المشاكل المترتبة عليها ووضع آليات عمل تنسيقية لحماية الأشخاص وخاصة من يتعرض للاتجار وهم النساء والأطفال والذي أثبتته التقارير الدولية.

القاضي: من الصعب أن نفكر اليوم في منع جرائم الاتجار بالبشر في سورية
بسام القاضي مدير مرصد نساء سورية، أجاب: «مجرد إقرار قانون يكافح الاتجار بالبشر هو خطوة إيجابية. فهذا يعني الاعتراف بهذا النوع من الجرائم، ووضع قواعد قانونية لمكافحته ومعاقبة الأشخاص والمنظمات المتورطة فيه.
ويتضمن القانون عناصر إيجابية جديدة على القانون السوري، منها إقرار مبدأ عدم مسؤولية الضحية. وهذا مبدأ إنساني مهم جداً أهملناه طويلا، ينص على أنه لا يجوز البحث عن أسباب ومبررات لمعاقبة الضحية بسبب خطأ ما قد تكون ارتكبته.
كذلك إقرار مبدأ مرجعية الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية التي صادقت عليها سورية. فهذا يشكل خطوة أساسية في صدقية ما نوقع عليه من اتفاقيات ومواثيق دولية.
 من الصعب أن نفكر اليوم في منع جرائم الاتجار بالبشر في سورية و في غيرها. فهذا النوع من الجريمة المنظمة يخترق العالم كله. وبعيدًا عن التفاصيل التي تجعل من سورية مكاناً «جيداً» لمثل هذه الجريمة، فإن لنا جميعاً دور في العمل على مكافحتها. تبدأ من عدم التهاون في الإبلاغ عن كل ما يثير ريبتنا فيها (والقانون أقر مبدأ حماية الشهود في هذه الحالات)، ومروراً بنشر الوعي حول الآليات التي تعمل بها هذه التجارة وتوقع عن طريقها المزيد من الضحايا، وليس انتهاء بالشفافية المفقودة حول واقع هذه الجرائم في سورية


ريم الغبن، (كيف نمنع جرائم الاتجار بالأشخاص في سورية.. وما المطلوب لذلك؟)

عن جريدة "بلدنا"، (19/2/2010)

0
0
0
s2smodern