افتتاحية المرصد

للعام الثالث على التوالي يأتي اليوم العالمي للمرأة على النساء السوريات، وهن قابعات في الحزن والألم، بكاء لشهيد، أو حزنا على مخطوفة، أو مشردة في ملجأ، أو..

ثلاث سنوات من الحرب بين قوى سميت "ثورة حرية وكرامة"، أظهرت حقيقتها بلا لبس بصفتها ثورة أصولية معادية لكل حقوق الإنسان، وخاصة لحقوق النساء. واعتبارها النساء مجرد قنابل موقوتة من "الفتنة" يجب حجبها عن الوجود كليا، ومنعها من العمل والدراسة والعمل وكل ما يشكل قيمة إنسانية، وحبسها فقط في دوري الإنجاب والإمتاع الجنسي للذكر.

 

وفي الواقع لا توجد قوة واجهة، أو جهة واحدة من الجهات المنضوية تحت هذا المسمى، والتي لها أي وزن يذكر على الأرض، خارج التصور أعلاه المعادي بشدة للنساء وحقهن البسيط والأساسي بالمساواة في الحقوق والواجبات في وطن لا تمييز فيه.
وبعض الشلل المثقفة التي تدعي أنها مدنية في هذا الإطار، وتسعى إلى تحقيق مواطنية النساء السوريات، هي ليست إلا شللا لا وزن لها من أي نوع: لا سياسيا ولا عسكريا ولا جماهيريا.

ثلاث سنوات من الحرب بين هذه القوى، وبين قوى النظام الذي ادعى دائما "العلمانية" و"تأييده" لحقوق النساء، بينما كان واقع الحال على مدى العقد الماضي يظهر أن تحالفه المقدس مع رجال الدين، مسلمين ومسيحيين ودروزا (حسب تقسيمات قانون الأحوال الشخصية) هو العنوان الرئيسي الذي جعل فرصا هائلة في العقد الماضي لإحداث فروق نوعية في المجتمع وفي الدستور والقوانين لصالح المواطنة، تضيع هباء منثورا.

وفي الواقع فإن تاريخ سورية المكتوب كله، لم يشهد حالة مثيلة لما حققته قوى هذه الثورة في المناطق التي تحتلها من أرض سورية، كالرقة وريف حلب الشمالي! من تدمير لوجود النساء كبشر، وتحويلهن إلى عبدات جنسيات بكل معنى الكلمة، بدءا من فرض النقاب الذي هو أصلا عنف وعار على البشرية كلها، إلى حرمانهن من التعليم والعمل، إلى إطلاق يد الذكر في كل ما يخص تفاصيل حياتهن!

ولم تعد سرا عشرات الحالات التي قامت فيها هذه الثورة باغتصاب نساء اغتصابا جماعيا، قبل أن تمزق الجسد الذي اغتصبته بالسكاكين والسواطير والجنازير الحديدية والصلبان، بدعوى أن هذه المرأة قد "كفرت" أو "زنت" أو "شربت الخمر" أو..

وفي الوقت نفسه، رغم أن القوى "الرسمية" لهذا النظام ما زالت على حالها من حيث رؤيتها لقضايا مواطنة النساء، فإن القوى المنضوية تحته، والمؤيدة له، أظهرت الكثير من العداء لحقوق النساء، وإن كانت المقارنة خاطئة بين مستوى هذا العداء، ومستوى عداء الثورة الصهيووهابية التي بلغت مستوى لم يشهد تاريخ المنطقة مثيلا له من العداء لكل ما هو إنساني.

شراسة هذه المعركة، وحقيقة أن طبيعة الدولة والنظام هي أحد أهم محاور الصراع!
أي المواطنة المبنية على حقوق الإنسان المتغيرة والمتطورة، أم التصورات البائدة المتعفنة لمفاهيم الدولة الدينية التي تعني، ببساطة، السيطرة المطلقة لبعض ممن يدعون "خلافة الله على الأرض" على حياة الناس، وجر تصورات وتشريعات مريضة معقدة لبعض من رجال دين عاشو وقضوا قبل مئات أو آلاف السنين، إلى حاضر اليوم المختلف جذريا وكليا، وتدمير الحياة الحقيقية لصالح تلك التصورات!

ومن ضمنها، بل في جوهرها، تنظيم العلاقة بين النساء والرجال في كل المستويات: الطفل/ة-الأهل، النساء-الأهل، النساء-الرجال!
و"الأهل" هنا تعني حصريا ذكور العائلة، إذ لا حقوق للأمهات تجاه أبناءهن وبناتهن حسب قوانين الأحوال الشخصية السورية الطائفية، مسلمة ومسيحية ودرزية!

بذلك، شكل التهديد الجدي والجذري الصادر عن الثورة الصهيوهابية لحقوق النساء المكتسبة أصلا من نضال القرن العشرين كله، وبعض من العقد الماضي، شكل تهديد حياة أو موت لمستقبل حقوق النساء في سورية!
فالمطلوب واضح: تدمير كل تكل المكتسبات، في كل المجالات، وتحويل النساء إلى عبدات مطلقات للجنس والإنجاب!

بالتالي: فإن الدفاع عن الدولة السورية اليوم، والدفاع عن جميع المكتسبات التي تحققت سابقا، هو قضية حياة أو موت لملايين النساء السوريات! فالمملكة الوهابية، والإمارات القاعدية في الصومال وأفغانستان وبعض مناطق العراق أيضا، هي دليل صريح وواضح على المصير الذي ستلقاه النساء إن انتصرت هذه الثورة وتمكنت من تنفيذ برنامجها الأصولي المنحط.

يوم المرأة الذي اعتمد عالميا ليكون مناسبة للتذكير (وليس للاحتفال) بأن النساء هن بشر على قدم المساواة في الحقوق والواجبات مع الرجال، وأن مجتمعا لا يقوم على المساواة هذه هو مجتمع يدمر حياة نصفه العددي، وأن علينا جميعا العمل من أجل تحقيق هذه المساواة الإنسانية،
هذا اليوم يمر على سورية في العام الثالث للثورة الصهيووهابية، والنساء السوريات في أسوأ وضع شهده تاريخ سورية المكتوب! مجبرات على الدفاع عن ما كان، ومتخليات عن الكثير من أحلام ما يجب أن يكون!


ملاحظة:
يعمد البعض، قصدا أو جهلا، على تسويق المساواة على أنها تلك التي تطالب بأن يحبل الرجال، وأن تعمل النساء في العتالة، وما إلى ذلك..
ويحاول هذا البعض إشاعة مفهوم "العدالة" الذي هو، بكل بساطة، ضمان السيطرة المطلقة للرجال على النساء، مقابل بعض "الشفقة والعطف" من الرجال تجاه النساء تحت مسميات "التفهم، والحب.." وما إلى ذلك..

ويعبر هذا التسويق عن حقيقة تلك الثقافة الذكورية المنحطة التي لا ترى العالم إلا من منظور القوة العضلية.

ولا يختلف بذلك أن يكون من يسوق هذا المفهوم المنحط نساء أم رجالا، فللثقافة الذكورية شيوع واسع بين النساء بعد أن تم تشويههن بمثل ما لها من شيوع لدى الرجال.

المساواة في هذا الموضوع، كما في غيره، هي المساواة في الحقوق والواجبات جميعها، في الزواج والطلاق، في العلاقة مع أطفال الأسرة، في التعلم والعمل، في الاستقلال واتخاذ القرارات الخاصة بحياة الشخص نفسه.
وهي، بهذا المعنى الصحيح والدقيق الذي يشوهه أولئك، تطابق تماما المساواة التي يريدها الرجال أنفسهم بعضهم لبعض في مجالات العمل، والتي ترفض أي نوع من التمييز بين فلان وفلان حين يتقدم إلى وظيفة ما، مثلا، إلا بناء على الكفاءة.

بسام القاضي، افتتاحية مرصد نساء سورية، 2014/3/8

0
0
0
s2smodern