افتتاحية المرصد

كنا قد أكدنا مرارا أن تجييش الأطفال في الصراعات السياسية، سواء كانت المسلحة أو غيرها، ومهما كانت الأهداف، هو انتهاك لحقوق الأطفال بنمو مستقر وسليم وصحي، ويؤدي إلى نتائج وخيمة ليس أقلها أنهم يكونون الضحايا المباشرين لهذه الصراعات، سواء بقتلهم أو بتعذيبهم أو بتشويه شخصياتهم.

وكان اعتقال أطفال من درعا، قاموا بكتابة شعارات معادية للدولة على الجدران كنوع من رد الفعل العفوي على الثورات التي شهدتها المنطقة، سببا من أسباب  الأحداث التي تجري في درعا. وتسببت بوقوع الكثير من الضحايا، وبارتفاع مستوى العنف بشكل خطير، ويهدد استقرار سورية بشكل جدي.

لكن ما ظهر اليوم، بعيد إطلاق سراح الأطفال المعتقلين، أن الأطفال لم يجر اعتقالهم في ظروف لا إنسانية فحسب، بل أيضا تعرضوا لتعذيب شديد بدا واضحا على صور بعضهم . ويتردد حديث عن تعرض بعضهم للتحرش الجنسي أثناء اعتقاله. فيما يلجأ أهل الأطفال إلى الصمت المطبق خوفا من تهديدات بالويل إن تم فضح واقع ما تعرض له هؤلاء الأطفال! الأمر الذي يرتب المزيد من الاحتقان الذي يمكن معالجته بجرأة.

إن إدانة "مرصد نساء سورية" للعنف بكافة أشكاله، لا تكفي لإدانة هذا السلوك الهمجي الذي يخرق الدستور السوري، وكافة القوانين السورية، إضافة إلى اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعت عليها سورية، واتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها سورية! عدا عن تناقضه مع أدنى الاعتبارات الإنسانية!

إن اعتقال الأطفال في أماكن غير مناسبة هو بحد ذاته انتهاك لحقوقهم. فكيف بتعريضهم لكل هذا التعذيب؟! وهذا الفعل الشائن هو فعل يجب أن يعاقب عليه من مارسه، بل أن يحاكم محاكمة علنية، ليس فقط من أجل أن يشعر الأطفال أنفسهم (رجال الغد) بأن كرامتهم لا يمكن أن تهدر على هذا النحو دون أن يعاقب من ينتهكها، بل أيضا من أجل سورية كلها رجالا ونساء وأطفالا.

فسورية كلها تنتظر اليوم إجراءات جذرية تتخذ لحلحلة الوضع المتأزم فيها، وليس قرارات سطحية أو هامشية. ومثل هذه الإجراءات ستكون أساسية وحاسمة على صعيد المواطنة، وخاصة مواطنة المرأة، وتأمين حقوق الطفل.

إن إطلاق سراح الأطفال، وإعفاء محافظ درعا، والوعد بمحاسبة المسؤولين عن الأحداث.. هي خطوات هامة فعلا، ولكنها غير كافية فيما يخص ما تعرض له الأطفال. فما هو مطلوب هو خطوة عملية وحقيقية لردع من قام بهذا الانتهاك. وهذا لا يكون إلا عبر تحقيق فوري وعاجل، شفاف وعادل تفتحه الحكومة السورية نفسها دون أي تلكؤ. وبحيث تكون المحاسبة علنية تنشر وقائعها ونتائجها لكي تكون ذات قيمة.

فمن حق السوريين/ات جميعا، وأهالي هؤلاء الأطفال خصوصا، أن يعاقب من انتهك حرمة الطفولة أشد انتهاك.  وأن لا يحصل على حصانة من أي نوع كان.

وإذ نكشف الستار عن هذه القضية، فإننا نؤكد بشدة على رفضنا لأي فعل عنيف من قبل الناس أو أهالي الأطفال. مثلما نرفض العنف من قبل السلطات السورية. وندعو أهالي الأطفال إلى اللجوء إلى القضاء لتثبيت التعذيب الذي تعرض له أطفالهم، والادعاء على من قام بذلك. بل نكشفها لنقول أن تجاهل أهمية هذه القضية لن يعمل على حلها. بل حلها يكون بمواجهتها بجرأة وشجاعة وتحمل المسؤوليات المترتبة عليها.

وفعل ذلك سيكون مهما بشكل خاص لجهة تأسيس خطوة وفعالة في إرساء أسس جديدة لسورية لا تتسامح مع التعذيب أيا كان مرتكبه، وتوصل رسالة واضحة أن التعذيب لم يعد مسموحا تحت أي ذريعة.

من جديد، إن استخدام الأطفال في الصراعات السياسية هو أمر شائن سيوصل دائما إلى كوارث تقع على رؤوس الأطفال أنفسهم. ولذلك ندعو الجميع إلى تحييد الأطفال عن صراعات الكبار، وعدم التذرع بأية أهداف أو غايات تبدو كما لو كانت مبررا لانتهاك طفولتهم.

في الوقت نفسه، يدعو "مرصد نساء سورية"، إلى إيقاف كافة أشكال العنف فورا. وخاصة العنف من قبل السلطات السورية بما أنها هي المسؤولة عن حياة الناس في سورية، وهي المعنية بإيجاد الطرق والوسائل المناسبة لمعالجة المشاكل والأزمات. وهي قادرة على ذلك فيما إذا أرادت وقررت.


بسام القاضي، افتتاحية مرصد نساء سورية، (فليحاسب المسؤولون عن تعذيب أطفال درعا!)

خاص: مرصد نساء سورية

0
0
0
s2smodern