افتتاحية المرصد

رغم مضي نحو أسبوع على صدور التوضيحات الحكومية التي تؤكد انتهاكها للدستور السوري وممارستها واحدا من أكثر أشكال العنف تأثيرا على الحياة: العنف الاقتصادي، والمتمثل بحرمان المرأة من "الدعم" الحكومي، ما تزال جميع الجهات المعنية بالنساء (وبحقوق المرأة والإنسان) في سورية صامتة صمتا غريبا دون أن تصدر أي بيان أو كلمة!

فالهيئة السورية لشؤون الأسرة، لا ترى في القرارات الذكورية هذه أي تأثير على "الأسرة" السورية! وهذا أمر طبيعي نظرا إلى أنها "مشغولة" بتعلم الدروس في كيف تحني رأسها لمتطلبات السلطة الذكورة المهيمنة في الحكومة السورية! وكذلك في تأكيد أنها مع الأسرة في الجولان "حتى" تحريره!
أما الأسرة في سورية، أو جميع الأسر التي تقوم اليوم على وجود الأم فقط (المطلقات والارامل)، وأطفال هذه الأسر والأطفال الأيام، فهم لم "يرتقوا" بعض إلى مصاف اهتمامات الهيئة الجديدة التي لا يعرفها أحد!

والاتحاد العام النسائي، لم يجد أيضا ما يقوله! فما له ووجع الرأس وغضب أولي الأمر؟ الصمت أفضل! فالنساء السوريات "يتمتعن بحقوقهن" في سورية! ولا داع ليشمت بنا "الأعداء" بمعرفة أن حكومة سورية في السنة العاشرة من الألفية الثانية مارست واحدا من أكثر القرارات تمييزا وعنفا ضد المرأة بتأكيدها الصريح أنها لا تعترف بوجودها أصلا إلا كشيء تابع لذكر ما! فإذا كانت "تحت رعايته" حظيت بشرف أن تدفأ لبضعة أيام! وإذا لا.. لتتحمل عواقب فعلتها الشنيعة!

والأحزاب السورية قاطبة، بكل توصيفاتها وتسمياتها، (باستثناء الحزب الشيوعي السوري- النور، الذي هاجم القرار وأدانه بشدة باسم جريدته الصادرة عنه "النور")، لا تجد في النساء السوريات كائنات تستحق أن "تدفأ"! فالدفء حكر على الرجال "القادة العظام والتاريخيين" لهذه الأحزاب، من كان منها في الجبهة التي تقود سورية وفقا للدستور، أو من كان منها خارجها! جميعا متفقة، بوعي أو بدونه، على أن قضية ما يتجاوز الـ 300 ألف شخص، على أقل تقدير، هي قضية لا تستحق التوقف عندها!

وأما الجمعيات الخيرية المعنية بحقوق الإنسان (من المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان، وحتى المنظمة الكردية لحقوق الإنسان!)، فهذه لها عذرها الدائم. إنها مشغولة بالمزيد والمزيد من الرسائل المدبجة للأمين العام للأمم المتحدة حول ما يجري في زيمبابوي، وجزر القمر، وهاواي.. أما ما يجري في سورية من انتهاك صريح وواضح لحقوق الإنسان التي تنص على حق كل إنسان (امرأة كانت أم رجلا) بالحصول على "الدفء"، فهو لا ينتمي إلى مجال اختصاصها! بالأحرى هو "أدنى" من مستواها! فلم ستصرف جهدا لكي تصدر بيانا بهذه المناسبة التافهة؟!

والطامة الكبرى أن الجمعيات التي تطلق على أنفسها اسماء تتعلق بحقوق المرأة (من رابطة النساء السوريات، وحتى الجمعية الوطنية لتطوير دور المرأة)، والتي تبذل "الغالي والرخيص" من أجل "تطوير إمكانياتها النظرية"!! هي أيضا لم تكلف نفسها عناء كتابة بضعة أسطر، باسمها كل على حدة، أو باسم التجمع الذي تنضوي تحته، لتقول حتى أنها تستنكر هذا التعدي الصارخ! فهي أيضا لا يليق بها أن تجتمع لتتداول وتصدر مثل هذا البيان بمثل هذه المناسبة التافهة! أو لعلها لا تجد طريقا لتتفق على إن كان يجب إدراج حرف الجر "من" أو "عن" في جملة ما! ولعلها أيضا لا تجد الوقت الكافي: فهناك العديد من المؤتمرات والورشات "الدسمة" هذه الأيام.. فلم لا تنتظر النساء المحرومات حتى يأتي "دورهن" في الاهتمام!

وبالطبع، فإن منظمات وجهات أخرى مثل "مسار" و"بداية" و"سيا" وغيرها.. هي أصلا غير مهتمة بهؤلاء! فهن أقل من "مستواها" بكثير..

وبالطبع أيضا، لا معنى لذكر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل! فالشؤون الاجتماعية تعني المزيد من التهميش والإفقار! وكلما زاد التهميش و الإفقار للأطفال والنساء في سورية، كلما "شعشع" جبين الوزارة أكثر فأكثر بنفاقها حول وضع المرأة والأطفال في سورية! وبتصريحاتها الفظة أن الأطفال المتسولين هم منحرفون بالفطرة! وبادعاءاتها الكاذبة أنها تعمل على "تنمية" المجتمع المدني السوري!

هذا هو الحال! فنقل إذا أنه ليست الحكومة فقط من يتحمل مسؤولية هذا الانتهاك، ومن يستحق الإدانة والشجب.. بل أيضا كل تلك "القوى" التي هي، بصمتها، شريكة في هذا الانتهاك! ولا ينفع أن تدعي ناشطة هنا أو ناشطة هناك أنها كتبت "مقالة نارية" باسمها! فمكانة اسمها محفوظة، لكن مكانة "منظمتها" هي ما يستدعي السؤال! كذلك لا ينفع ادعاء الأحزاب "نضالها السري" في البرلمان.. فقد بات ثابتا مقدار الخداع والتضليل في مثل هذه الادعاءات! والأمر نفسه تجاه الجهات التي لا تكف عن الصراخ: "نحن نعمل بطريقتنا من داخل الحكومة"، فالحكومة لا تعرف أصلا بوجودهم، ولا تعترف.. ما لم يثبتوا أنفسهم على أرض الواقع، وبالصوت العالي العلني، وليس بأي حجج وذرائع أخرى.


- افتتاحية مرصد نساء سورية، (كثر تخلوا عن النساء السوريات... وليست الحكومة فقط!)

خاص: نساء سورية (24/2/2010)

0
0
0
s2smodern