اليوم العالمي للرقص: العرب يرقصون "سرّاً"!

في عام 1982، قررت منظمة غير حكومية تدعى "المجلس الدولي للرقص" تخصيص يوم 29 نيسان من كل عام كيوم عالمي للرقص. لا يرتبط بشخص معين أو بأسلوب رقص معين. رغم أن التاريخ نفسه (29 نيسان) هو ذكرى ميلاد راقص الباليه الفرنسي جان جورج نوفيري.



قال المجلس أن هدف تخصيص هذا اليوم هو جذب انتباه الناس إلى هذا الفن. ويدبج المجلس رسالة كل عام تقرأ في العديد من دول العالم، أسوة بـ"رسالة المسرح" بيوم المسرح العالمي.

يحتفل كثير من العرب بيوم المسرح. فما كتب بالعربية وترجم إليها في تمجيد هذا الفن واعتباره "أب" الفنون يكفي ليملأ مكتبة كاملة. رغم أنه لا يذكر أمام نظيره في أوروبا مثلا. ورغم أن المسرح العربي يكاد ينقرض، خاصة مع حلول "جحيم ليفي" الصهيوني المسى "الربيع العربي"، والمعادي لكل جمال وفن!

يحتفل بعض العرب أيضا ببضع أيام آخرى كاليوم العالمي للمرأة (8 آذار)، واليوم العالمي للسكان (11 تموز). ويتذكرون بعض الأيام الأخرى دون "احتفال"، لكن أياما بعينها تغيب بشكل شبه مطلق عن هذه المنطقة من العالم. بينها هذا اليوم، اليوم العالمي للرقص، رغم أنه يصعب تخيل تاريخ العرب، تاريخ الإمبراطورية العربية بالأحرى، دون الرقص الذي ملأ حياة الناس على مدى قرون، أباطرة (تحت مسمى "خلفاء")، وناس عاديين (تحت مسمى رعية). والذي ما زال ممارسة شائعة في البيوت السورية واللبنانية، لكن! "داخل" أسوار المنزل.

تذكرت بعض وسائل الإعلام العربية هذا اليوم. لكن الأغلبية الساحقة ممن تذكروه أنشأوا موادا عن "الفائدة الصحية" للرقص كرياضة! قلة نادرة من تناولت هذا اليوم بمواد "تستحق" القراءة. بينها "الدستور" المصرية التي أجرت لقاءات مع عدد من الفتيات تحدثن عن ذكرياتهن مع "أول رقصة"، والاعتراض العائلي الشديد عليه بصفته "عيبا"!

موقع "عين" المصري أيضا، استذكر تصريحا شهيرا للفنانة الراحلة تحية كاريوكا، قالت فيه أن الرقص كان "عبادة" عند المصريين القدماء. يعبرون من خلاله عن فرحتهم بنزول المطر أو بحصاد وفير.

السوريون واللبنانيون تجاهلوا اليوم كليا. رغم أن "عبد الحليم كركلا"، الفنان الأشهر في المنطقة في مدرسته، حظي بتكريم مميز في "مهرجان بيروت للرقص المعاصر" الذي أقيم قبل نحو عشرة أيام!

لكن السوريون يرقصون، نساء ورجالا، رغم التجاهل الإعلامي، ورغم الحرب الطاحنة المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات. يرقصون من أجل متعتهم وراحتهم قبل كل شيء، ولكنهم يرقصون أيضا من أجل الحياة التي تستمر في النبض في جوانب بلدهم متحدية الموت، خاصة الموت المشاع بأيدي الإسلام السياسي الإرهابي.

الرقص لغة عالمية
"بسمة جمعة"، راقصة سورية في عدة فرق منها "فرقة الرقة" السورية وفرقة "أغاني العاشقين" الفلسطينية التي حازت شهرة واسعة في الربع الأخير من القرن الماضي، تقول أن "الرقص هو قلم الكاتب وآلة العزف"، فالحركات تعبر حين تعجز الكلمات.
"الرقص بالنسبة لي كامتلاك لغة آخرى تعبر المسافات ويفهمها العالم أجمع من مختلف الثقافات"، قالت بسمة لـ"آسيا".

بسمة ترى أن الرقص الشرقي هو جزء من تاريخنا، لكن وجوده في "الأماكن الخاطئة" واستغلاله هو ما أدى إلى وصفه بـ"العيب" و"فن الإغواء"، ونسبت له الكثير من الخطايا.

"الفن دفاع عن الوطن بطريقة الفنان"، قالت بسمة معلقة على الرقص في زمن الحرب، "نستمر بفننا لنري العالم الجانب المضيء من حياتنا، الفرح والسلام حتى في وقت الحرب"، فالرقص لغة عالمية رغم اختلاف الثقافات، "لا توجد ثقافة إلا ولها تعبيرها الراقص.. إنه تعبير عن بيئة الزمان والمكان.. ربما كان هذا ما جعله عالميا"، ختمت الراقصة بسمة جمعة.

الرجال يرقصون أيضا. لكن، للأسف، لم نتمكن من إقناع أحدا منهم بالحديث! ضمنا راقصين ومدربين في المجال!

الرقص في مواجهة الحرب
"سلوى" (تحفظت على ذكر اسمها لأسباب اجتماعية) لديها عملها الخاص، وربة منزل، تعيش مع زوجها وبناتها الخمس في منطقة بريف دمشق، لا تفوت فرصة لترقص في البيت، أو في النادي. مع بناتها أو مع زميلاتها. تؤكد أن الرقص "يحيي الروح المكتئبة في داخلي، ويعيد لي نشاطي العقلي والجسدي"، إضافة إلى فوائده الصحية من حيث الرشاقة وجمال الجسد.

"ألجأ إلى الرقص لأنسى كل ما حولي"، تقول سلوى لـ"آسيا"، وتتابع: "إنه ينقلني إلى عالم آخر حيث لا توجد قيود.. حيث الحرية والثقة بالنفس.. حيث الإحساس بالوجود تاما".. بل وتجد سلوى في الرقص الآن، في جحيم الحرب، نوعا من الرد على الحرب: "الحرب كسرتنا وحطمت أرواحنا وأخذت منا كل شيء جميل.. بقينا كذلك حتى العام الماضي.. ثم! لا أعرف ما حصل: رقصنا حى ساعات الصباح وكأن قنبلة انفجرت داخلنا.. الرقص كالسحر.. وقد ساعدنا على ترميم بعض أنفسنا".

الرقص ليس عيبا بالنسبة لسلوى. فهو تقليد في الأسرة السورية داخل منازلها. لكنها تتحفظ على اتخاذه مهنة، ولن تواقف إن قررت إحدى بناتها فعل ذلك: "أرفضه عندما يكون مهنة في بعض الأماكن، فمجتمعنا ينظر للمرأة كجسد فقط، وفي هذه الحالة سيكون جسدها مجرد سلعة لكسب المال".

الرقص! يا للهول!
إنه الجسد!
وأي خطر محدق يهدد أسس الثقافة الذكورية الدينية في هذه المنطقة من العالم، أكثر من خطر "الجسد"؟!

*- في الصورة: سامية جمال وتحية كاريوكا.


بسام القاضي
نشرت في موقع "آسيانيوز" (2017/5/2)

شارك المقال مع أصدقاءك..
Top