نساء عشنَ علاقات عاطفية مسيئة: لسنا وحدنا، واللوم إساءة أيضاً

شخصياً، اعتبر أنني عرفت مصطلح "علاقة عاطفية مسيئة" و/أو معناه، متأخراً قليلاً عما يجب أن يكون. وهُنا، وسأكون منذ البداية حذرة قدر الإمكان، بأن لا ألقي اللوم على نفسي ولا أجلدها لأنني لم أعرف المصطلح، لكنني عرفت الحالة بدون اسمها، سواء بشكل مباشر أو من خلال تجارب نساء، أو من متابعة عامة ومتواصلة لمشاهد العلاقات العاطفية في بلادنا، وكل منا قصص يمكن أن يسردها عن مبنى علاقات عاطفية وزوجية مسيئة بحق النساء اللواتي هن طرف فيها.


بداية، من المهمّ تعريف معنى مصطلح "علاقة عاطفية مسيئة"، وللبعض أسهل استخدام المصطلح باللغة الإنجليزية كتعبير أفضل لهذا النوع من العلاقات، إلّا وهو abusive relationship. والترجمة الحرفية هي علاقات مسيئة أو مجحفة ضد أحد طرفيْ العلاقة، وعادة يكون ضد طرف واحد تلعب علاقات القوى الجندرية ضده. بإمكان الإساءة أن تكون نفسية، جسدية وجنسية ومادية، وهي تعتمد على السيطرة وفرض القوة على الآخر، بالإضافة إلى استغلاله، وفي حديثنا هنا، وفي أغلب الحالات، يكون "الآخر" هو الطرف المستَضعَف اجتماعياً، أي النساء.

تتنوّع وتختلف درجات وأنواع العلاقات العاطفية المسيئة بحق النساء، كما تختلف فتراتها الزمنية، وعلى الرغم من التعريفات العلمية الواضحة لماهية هذه العلاقات ومضمونها الذي يتشابه أحياناً بين علاقة وأخرى، إلّا أن للنساء الحق في تعريف ماذا تعني لهن علاقة مسيئة، وفقاً لقصصهن الذاتية. إن العلاقات العاطفية المسيئة، هي إطار جارح بحد ذاته، في كثير من الأحيان، لا يمكن معرفة ذلك عندما نكون داخل العلاقات ذاتها، وبالتأكيد، كل من كانت وما زالت فيها، غير ملامة، ولا يعطي الحق لأحد بأن يقول: "تحمل حالها وتمشي، ما هي اللي قبلانة!".. لأن لا من أحد يعرف بالفعل ما تمرّ به المرأة ضمن منظومة علاقة مسيئة، ولذلك بإمكان الأسباب أن تكون كثيرة لمواصلة البقاء في هذه العلاقات، لكن على الأقل، الأهم هو توفير مساحة آمنة للتفهم والدعم، الذي يمكن أن يساعدهن وتخفيف ثقل كل ما يمكن أن تأتي به هذه العلاقات على قلوبهن؛ من الشريك والمجتمع ومنظومة الجلد الذاتي التي لم يبخل المجتمع بزرعها فينا!

لا يأتي هذا المقال للبحث عن الأسباب حول صعوبة الخروج من هذه العلاقات بالنسبة للنساء، بل يأتي ليفتح شباكاً على بعض قصص نساء عشن علاقات يعرّفنها، هن أولاً، بأنها كانت مسيئة بحقهن. وبنفس الوقت، يأتي هذا المقال كنقد على مجتمع، ما زال يلوم المرأة في سياقات عديدة، منها هذا السياق، مجتمع متمثّل بالعائلات والأصدقاء والزملاء في العمل، وأيضاً في "جلد الذات" التي تمارسه المرأة على نفسها في أطر عديدة، هذا الجلد الذي سببه الموروث المجتمعي الذي يفيد بأن المرأة المسؤولة الأولى عن كل شيء، وعن مصائبها أيضاً، في الوقت الذي ما زال المجتمع يوفّر مواد "للطبطبة" على المذنب الأوّل: المنظومة الأبوية الذكورية لفرض السلطة.

لكتابة هذا المقال، نشرت عبر صفحتي في فيسبوك بأنني أبحث عن آراء حول الموضوع، وصلتني رسائل عديدة من صديقات من دول عربية متنوعة، شاركن قصصهن بقوة وجرأة. هنالك محور تكرر في بعض القصص، وهي كيف ترى المرأة نفسها ضمن هذه العلاقة، المنظور الذي خلقه الرجل المسيّطِر تجاه نفسها ضمن علاقة من عدم الاحترام وعدم التقدير؛ "بأنها أقل قيمة منه، ليست جميلة، وزعزعة الثقة بالنفس، وانعدام شعور الأمان، والوحدة"، وغيرها من المشاعر الناتجة عن التعزيز السلبي الذي يمارسه الرجل على المرأة، لكن دوامة العلاقات هذه محكومة بتكتيكات من تعزيز إيجابي يقدمها الرجل للمرأة أحياناً، مثل الكلام المعسول والهدايا، مما يخلق هذين القطبين؛ الإيجابي والسلبي، ترابط عاطفي صعب كسره.

من القصص التي وصلتني، كانت لـ "م"، والتي انتهت علاقتها العاطفية قبل عاميْن، قالت عنها: "وصلت لمرحلة أنني لم أشعر بالأمان أبداً، ورغم الحبّ الذي شعرت به نحوه، كنت قلقة طوال الوقت. الأمر الذي جعلني أوقف العلاقة، هو أنه سمح لي بالذهاب، وبعد أقل من شهر، دخل في علاقة أخرى( مع إمرأة أخرى). المأساة، أن القصة انتهت قبل عاميْن، ولا أكن له مشاعر حبّ، لكن عندما يحتاج خدمة ويطلبها منه، أنفذها له. لربما ما زلت داخل هذه الدوامة.. الأمر الوحيد الذي أنا متأكدة منه، هو أنني لم أعد أؤمن بشيء اسمه الحبّ".
في حديث آخر مع "ع"، قالت عن قصتها: "كنت أجد له مبررات دوماً، حيث كان يخبرني بأنه يحبني وبنفس الوقت لا يعرف ماذا يفعل ومضغوط جداً، وكان من الصعب أن أنهي العلاقة، كل الوقت كنت أجرب أن أصلح بعض الأمور وأبحث عن طرق لإنقاذ العلاقة، ولم أكن واعية لما يحدث، خاصة وأنا بداخل العلاقة. عرفت بعدما بدأت أراها من الخارج، بأنه كانت لدي مشاكل ثقة، وابتعدت عن أصدقائي، لأنهم كانوا يسألوني دوماً عن العلاقة، ولم أريد أن يحاكمني أحد لأنني ما زلت هناك". أما "هـ"، فتقول: "أعتقد أن الفتاة، وأتكلم عن نفسي، لا تعرف أنها في علاقة مسيئة، إلا عندما تتورط فيها بشكل كبير. ولربما عندما تستيقظ، سيكون قد مرّ وقت طويل، لكن في نهاية المطاف فان هذه العلاقات لا تستمر، خاصّة أن النساء الآن بدأن يرفضن الحفر بالبحر، لسنا مثل أهالينا، الذين كانوا يستثمرون في علاقات مدمرة من أجلنا، بالنهاية، عرفت أن أضع حداً لتلك العلاقة، وعشت حياتي".

لا يمكن الحديث عن العلاقات العاطفية المسيئة كنوع واحد، أو أن ظروف النساء واحدة؛ هنالك الزوجات والأمهات أيضاً، هنالك ظروف اجتماعية واقتصادية مختلفة، إلا أن كل هذا الاختلاف يقع للأسف ضمن منظومة اجتماعية جندرية غير عادلة تجاه النساء، تلوم الضحية دوماً، تعيش فيها النساء بانعدام الثقة من قبل المجتمع وقدرته بأن يقف في صفها ويدافع عنها. والمجتمع، ليس بالضرورة أن يكون ذاك الشيء البعيد عن فقاعاتنا التي نعتقد أنها متنورة، المجتمع بإمكانه أن يكون أقرب الناس أيضاً من جهة، بالإضافة للأمثال الشعبية التي رسخوها في عقولنا من جهة أخرى، مثل: "ضرب الحبيب زبيب" وما إلى ذلك، والأفلام والأغاني التي جعلتنا نفهم بأن هذه العلاقات هي نوع من أنواع الحبّ!

لكن، رغم كلّ ذلك، هنالك جيل آخر يزرع نبتة جديدة في الأرض، هذه النبتة لا تعني بالضرورة أن عدد العلاقات المسيئة قد تنقص - على أمل - لكنها ستقول لكثيرات: بأن لا يقسينَ على أنفسهن، وبأنهن لسنَ وحيدات، وبالتأكيد، هنالك مساحات آمنة لمشاركة كل هذا الخوف وهذه الخيبة، وايضا استعادة الأمل بما تمنح قلوبهن.



رشا حلوة، كاتبة فلسطينية تعيش في ألمانيا.
عن موقع "دويتشه فيلله"، 10/2018ش


شارك المقال مع أصدقاءك..
Top