لماذا نخشى النساء؟

قد يبدو السؤال غريباً؟ فمن "نحن" الذين نخشى النساء في مجتمع ذكوري في دستوره وقوانينه، يمارس تمييزاً صريحاً ضد النساء، ويخضعهن قانونياً وعملياً لسلطات الرجال في أهم القضايا التي تشكل "الخلية الأساسية للمجتمع"، أي الأسرة؟

ربما كان الإصرار على هذه "الذكورية" هو أقوى تعبير عن مدى خشيتنا غير المبررة. أو على الأقل التي لم تعد مبررة منذ تغير وجه العالم مع الثورة الصناعية، وصار الرجال عاجزين عن القيام بمتطلبات الأسرة وحدهم، مهما ادعوا غير ذلك، وصار "العمل المأجور" لا يتطلب "عضلات منفوخة" ولا "رؤوس مربعة"!

لدى الكثيرين حججاً يستندون إليها في الدفاع عن السلطة الذكورية. بعضها يزعم أنه ديني، وبعضها الآخر يزعم أنه فطري، لكنها جميعها تسقط حين المماحكة الجدية ولا يبقى سوى ذريعة لا يمكن الرد عليها بسبب لسطحيتها البالغة: "هيك ألله خلقنا"، تخفي حقيقة بالغة البساطة: "التغيير يرعبنا لمجرد أنه تغيير"!


يعرف الجميع، واقعياً، بأن خضوع الرجال لمزاجتهم المتغيرة مع كل تغير في يومه، هو خضوع حقيقي. فهم يغضبون لأتفه الأسباب، يميزون بشدة بين طفل محبب وآخر منبوذ، يغيّرون أصدقاءهم بأسرع مما يغيرون أحذيتهم، يتخذون قرارات متسرعة بلا تمعن، يقفون كأعمدة ميتة عاجزين عن التراجع عن كلمة أو قرار اتخذوه وعرفوا أنه خاطئ..


الرجال عاطفيون إلى حد أنهم يشنون الحروب من أجل "ناقة" أو "مذبة" أو "كلمة".. فيقتل الآلاف حتى تهدأ "الحمى" التي أصابتهم! عاطفيون بدرجة لا تقل عن النساء المتهمات بالعاطفية والمزاجية..


لكن الفرق البيّن أنهم أجبروا منذ طفولتهم على كبت مشاعرهم لأنهم "زلم"! فيما تحررت النساء من هذا الكبت ويعبرن عن مشاعرهن ببساطة صارت مأخذاً عليهن.


ونعرف جميعاً أن الإثبات الوحيد الحقيقي على نسب الطفل (بعيدا عن DNA) هو رحم المرأة، رغم أننا نصر في قوانيننا على إنكار هذا الإثبات والادعاء بأنه "ملك" الأب!

ولا يوجد رجل لا يعرف أن النساء قادرات، كن وما زلن، على رفض أي تحرش أو مغازلة أو.. وأنهن أصلاً يرفضن يومياً هذه "الإعتداءات" دون أن يعرف الرجل الذي يمارس، هو بدوره، هذا التحرش والمغازلة والاعتداء تجاه النساء الأخريات اللواتي لسن من "ملكيته"!


وتعمل الأغلبية الساحقة من السوريات اليوم خارج المنزل، في الحقل الذي نملكه، أو في الحقل الذي يملكه غيرنا، أو في عمل خاص أو وظيفة عامة! ويشكل هذا العمل أساساً لا غنى عنه في حياة الأسرة الإقتصادية، ومع ذلك ننكر هذا الواقع ونزعم أن "مصرياتها بتروح لمكياجها"!

وفوق ذلك تعمل السوريات، سواء كن يعملن خارج المنزل أم لا، لمدة لا تقل عن 10 ساعات يومياً داخل المنزل، عملاً لا نعترف به ونعتبره "واجبها"! بل وصرنا نستسخفه بحجة "الغسالة الأتوماتيك"، رغم معرفتنا اليقينية أن التقنيات الحديثة سهلت قليلاً من الجهد المطلوب لإنجاز العمل المنزلي اليومي، لكنها لم تختصره، ولم تسهل أغلبه!

وهذا العمل "الخفي" داخل المنزل، هو عمل يكلف كثيراً لو قمنا بحسابه كعمل مأجور يقوم به الغير. أي لو حسبنا كم سنتكلف إذا دفعنا لأحد ما ليقوم بما لا يقل عن 100 مهمة تقوم بها المرأة يومياً داخل المنزل. ويكفي أن نعد سريعاً كم شخص يعمل من أجل وجبة طعام واحدة في المطعم، من المتسوق إلى الطباخ إلى المقدم إلى غسال الصحون إلى منظف الطاولة.. لنفهم عن ماذا نتحدث.

وإذا قسنا مفهوم "القوة" العضلية بمعانيه الحقيقية، أليس "الصدمة" فحسب، بل كل قدرة التحمل التي تبديها العضلات تجاه العديد من المواضيع، لوجدنا أن الرجال شبه عاجزين عن حمل طفل صغير لساعات كما تفعل المرأة مع أطفالها! أو "جعك" الغسيل لساعة أو ساعتين دون أن يصابوا بتشنج العضلات! لكن مفهوم "القوة" المطابق لمفهوم "القسوة والعنف" هو الذي تم اعتماده ذكورياً ومقارنة حالهم به مع حال النساء، فكسبوا الفوز بقسوتهم وعنفهم وقدرة "عضلاتهم" على التسبب بالأذى!

في الواقع، لا يستطع عاقل أن يوجد اليوم سبباً علمياً أو عقلانياً لاعتبار النساء كائناً أقل من الرجال! وحتى السبب الذي كان يوماً ما في غابر الأزمان، تقسيم العمل القائم على ترك القتال (ضد الحيوانات وضد البشر الآخرين) للرجال مقابل أن يترك العمل الزراعي للنساء.. هذا السبب بطل بطلاناً نهائياً.

فلا حيوانات كاسرة اليوم تهجم على بيوتنا وتلتهم أطفالنا. والحروب نشنها بالبنادق على أقل تقدير، وليس بالسيوف والخناجر والأيدي. بل غالباً ما نشنها اليوم من خلف الصفيح المدرع (طائرات ودبابات وبوارج) وعن بعد (صواريخ وحرب الكترونية و..).

ليس للرجال في القرن الواحد والعشرين ميزة على النساء من أي نوع. ولا إمكانية عندهم بصفتهم رجالاً تفوق ما لدى النساء بصفتهن نساء.

وبالتأكيد: ليس لدى النساء كنساء ما يتفوقن به على الرجال كرجال.

لماذا إذاً يخشى الرجال النساء إلى حد قتلهن بذريعة "الشرف"! وحسبهن بذريعة "العيب"! وحرمانهن من حقوقهن تجاه أطفالهن بذريعة "الدين"! والتحكم بخيارهن تجاه من يحببن ومن يتزوجن بذريعة "العادات"! و...

لماذا؟


بسام القاضي، صحيفة "الأيام" السورية، 2018/10/19


شارك المقال مع أصدقاءك..
Top