فتيات سوريات يذبحن بدمٍ بارد باسم "الشرف" والقانون "البارد" يغض الطَرف!

لم تكن سوى دقائق قليلة تلك التي جلس فيها والد ديانا معها في إحدى غرف مدرستها، كان فيها الأب وبحسب مصادر خاصة من داخل المدرسة متوازنا وهادئا، فلم تبدو عليه علامات الغضب أو الحنق.

هل أطال النظر إلى عيني طفلته أم أنها لم تتجرأ على النظر إليه مباشرة؟!

هل كانت تدرك حين رافقته لرؤية والدتها كما أخبر أساتذتها، أنها ذاهبة إلى حتفها أم أنها فعلا وثقت به كما كانت تفعل من قبل؟!

لا يمكن لأحد أن يتنبأ باللحظات الأخيرة التي دارت بين القاتل ومغدورة.

ما حصل لديانا أبو حسون ابنة السابعة عشر ربيعا قد يحصل لأي فتاة سوريّة، جميع الأحاديث تقول إن الأب لم يكن عنيفا وكان محبا لأبنائه، لكن الضغط الذي تعرض له من المحيط أدى لقتله ابنته برصاصة في الرأس، هو ذاته المحيط الذي حاول أن يبرر فعلة الأب بغطاء الشرف، الشرف الذي يربطه مجتمعنا بـ "غشاء البكارة"، الذي أثبت تقرير الطبيب الشرعي أنه لم يُمسّ وأن ديانا عذراء.

مصطلح "مزوّر"

كثيرون قد يردّون الجريمة إلى دافع ديني، إلا أن الشيخ عبد الأحد محمد فرج يوضح لـ "الأيام" أن مصطلح "جرائم الشرف" غير موجود في كتب فقهاء المذاهب الإسلامية، وإنما الموجود فيها هو مصطلح "قتل الصائل"، وهو أن يجد الرجل شخصاً ما قد اقتحم بيته للاعتداء على زوجته أو غيرها من "محارمه"، فلم يستطع إبعاده عنها إلا بالقتل، فدم هذا الرجل المعتدي مهدور في الشريعة الإسلامية، أي لا يقع على قاتله شيء، ولذلك يجب علينا أن نفرق بين المصطلحين، والمفروض أن يتم تعديل المادتين [192-و548] لصالح من يقتل المعتدين على زوجته أو غيرها من "محارمه"، وأن تخفف العقوبة في حقه.

ويضيف فرج بأن مصطلح "جرائم الشرف" يعدّ شبيها بقانون الجاهلية القائل "وأد البنات من المكرمات"، حيث كانوا يدفنون البنت حيةً خشية العار، وجاء القرآن الكريم لينعي هذه العادة السيئة قائلا "وإذا الْمَوْءُودَةُ سئلت بأي ذنب قتلت…".

ويتابع فرج: "لا يجوز أبدا أن يقتل الرجل زوجته أو غيرها من (محارمه) مبرراً فعله بمصطلح لا تقرّه الشريعة أبداً"، مضيفاً أن أي عقوبة في الإسلام حتى لو استُحقت شرعاً، فلا يجوز لأي شخص كان أن ينفذها بنفسه، لأن الحدود في الشريعة لا ينفذها إلا الحاكم أو من ينوب منابه كالقاضي، ولو قلنا بجواز أن يقيم كل شخص العقوبة بنفسه لفتحنا علينا أبوابا من الفساد لا تحمد عقباها، ولو قلنا بجواز قتل المرأة بدافع "جرائم الشرف" لفتحنا الباب أمام الكثير من الرجال للتخلص من زوجاتهم لأسباب شخصية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بقضية الشرف، وعندئذ كم من النساء البريئات اللاتي سيقتلن بحجة وذريعة قضايا الشرف؟

ويتساءل فرج أيستطيع من يفتي بجواز القتل بحجة الشرف أن يتحمل أمام الله تعالى الدماء التي ستهدر ظلما وجورا بحجة "جرائم الشرف"؟

إرث ثقيل

ظل أبو أكثم يهرب من أبناء بلدته في درعا لمدة خمسة وعشرين سنة، بعد أن قتل ابنته (16 سنة) لأنها أحبت ابن الجيران الذي يكبرها بخمس سنوات. رفض الأب تزويج ابنته لهذا الشاب بحجة وجود خلاف قديم بين العائلتين، فهربت الفتاة مع الشاب الذي تحبه، ولم يلمسها الشاب الذي وبحسب العادات وضع الفتاة عند عائلة محايدة الى أن تتم الصلحة بين العائلتين.

يقول أبو أكثم: لمدة أسبوع كنا نتشاور من سيقتلها، والدتها أم أخوها الصغير أم أنا، واستقر الاختيار على أخوها الذي لم يبلغ الرابعة عشر من عمره، وكانت هي متعلقة به، فذهب أخوها مع والدته لزيارتها عند العائلة المضيفة بحجة أننا وافقنا على "الصلحة"، وهناك قام أخوها بإطلاق النار عليها وقتلها.

رفض أبو أكثم أن يقيم العزاء لابنته، ولم يتم توقيف الابن لأكثر من شهر كونه لم يبلغ سن الرشد، واستفاد وقتها من البند المخفف كون الجريمة "جريمة شرف".

يقول أبو أكثم: اليوم أحس بالندم لقتلي ابنتي التي لم ترتكب جريمة، وكانت بريئة. لكن لو أن الزمان عاد بي لكنت قمت بنفس الفعل لأن المجتمع لا يرحم!

لا وجود قانوني… أيضاً

تقول المحامية والناشطة في مجال حقوق المرأة مها العلي لـ "لأيام": إن المشرع السوري عاقب على القتل قصداً حيث جاء في المادة 533 "من قتل إنساناً قصداً عوقب بالأشغال الشاقة عشرين سنة".

وبالتالي إذا توفر في أفعال مرتكب الجرم ركنا جريمة القتل أي الركن المادي من الفعل والنتيجة والعلاقة السببية، والركن المعنوي بقيامه بالفعل عن علم وإرادة، فإن عقوبة الفاعل هي الأشغال الشاقة لعشرين سنة. وتتابع العلي: أما فيما يخص ما يسمى "جرائم الشرف" فقد جاءت المادة 548 من قانون العقوبات بعذر مخفف لمن يقتل بدافع الشرف، وكان نصها على الشكل التالي "يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخوته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو ايذائهما أو على قتل أو ايذاء أحدهما بغير عمد، وتكون العقوبة الحبس خمس سنوات إلى سبع سنوات".

وتضيف العلي إن هذا النص والعذر هو انعكاس لتقاليد اجتماعية موروثة منذ القدم، وكان الذكور يستفيدون منها ويمارسون بموجبها سطوة على المرأة، وذلك لم يعد يأتلف مع التطور الاجتماعي والاقتصادي والعلمي الذي بلغه المجتمع. إن هذا النص الموروث قد أصبح أفضل وأكثر تطوراً بعد التعديل الأخير الذي طرأ عليه وجعله بصيغته الحالية، فالنص السابق قبل التعديل كان يتضمن عذرين: عذراً محلاً من العقاب لمن تنطبق عليه أحكام هذه المادة، والعذر المحل يعني أن الفاعل سيكون بمنأى عن العقاب وبالتالي يرتكب جريمته ويطلق سراحه ولا يتعرض لأي عقوبة.

أما العذر الثاني الذي تضمنته المادة قبل التعديل هو عذر مخفف لمن فاجأ المذكورين في المادة في الحالة المريبة.

وعن المقصود من الحالة المريبة تقول العلي: يختلف تفسير ماهي الحالة المريبة من حالة لأخرى، وفيه خروج عن الشرعية لأن تفسيرها قد يختلف من حالة لأخرى، ومن قاضٍ لآخر، وتتابع: إن المشرع السوري قد تجاوز في التعديل الأخير الكثير من الانتقادات للنص السابق فالنص الحالي ألغى الحالة المريبة ولم يعد لها وجود قانوني مطلقاً، وألغى العذر المحل في القتل بدافع الشرف وأبقى على العذر المخفف فقط. ولهذا العذر شروط واضحة فلا بد أن يتفاجأ الفاعل بزوجته أو المقصودين في المادة بحالة الزنا المشهود، أو بصلات جنسية فحشاء، والمشرّع استعمل عبارات واضحة في معناها لا تحتمل التأويل وهذا النص يستند إلى مبرر قانوني، ذلك أن المسؤولية الجزائية للفاعل تكون ناقصة لأن قوة إرادته وحرية اختياره انعدمتا، أو كانتا ناقصتين بدرجة كبيرة جداً نتيجة الاستفزاز العنيف الذي يبعث الإثارة في نفس الفاعل فيفقده أعصابه وحرية تفكيره.

لذلك فإن قصد المشرّع السوري واضح فهذا العذر يرتبط بالاستفزاز والإرادة وحرية الاختيار وليس حقاً ولا رخصة، وهو لا يكون إلا بحالة زنا أو صلة جنسية فحشاء، أو المفاجأة وليس التخطيط أو العمد.

في هذه الحالات تكون العقوبة الحبس خمس سنوات حتى سبع سنوات، وبغض النظر عن الاتفاق مع رؤية المشرّع، والرغبة في تعديل هذه النصوص فلا بد من التأكيد على وجود النص العام للمادة 227 والتي تعطي العذر المخفف لعذر الإثارة، في حال تحققت شروطها مما قد يؤدي إلى تخفيف في العقاب أوسع من هذه المادة.

"جرائم شرف" دافعها "فيسبوكي"!

تناقلت وسائل الإعلام قبل فترة قصيرة خبراً مفاده أن أما وأبا أقدما على خنق ابنتهما في إحدى قرى ريف حماه، وقاما بدفنها بعد أن أشاعا للجيران والأهل أن الفتاة تعرضت لأزمة قلبية وتوفيت.

وبعد التحقيق اتضح قيامهما بجريمة القتل، على إثر قيام شاب تعرفت عليه الابنة التي كانت تبلغ 17 عاما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد أن أوهمها بالحب قامت بإرسال عدد من الصور له وهي بوضعية غير محتشمة، وقام هو بدوره بنشر الصور وابتزاز الفتاة بفضحها إذا لم تلبي رغباته.

وتشير الإحصائيات الصادرة في دمشق إلى التبليغ يومياً على ما معدله خمس جرائم إلكترونية معظمها حول الابتزاز والتحرش، وخاصة موضوع الصور والمحادثات الخاصة، فهل يكون القتل هنا بدافع شريف؟

تقول المحامية مها العلي لـ "الأيام" إن الدافع الشريف ينظر فيه القاضي من منظور مرتكب الجريمة وما الذي دفعه إلى ارتكابها، وهل هي دوافع شريفة ومقدسة وفقاً لعاداته وتقاليده، أم أن الفاعل قد أقدم على الجريمة بدافع مادي أو أناني أو دنيء أو بدافع الانتقام على سبيل المثال.

وتتابع إن الدافع الشريف موجود كسبب للتخفيف في أغلب القوانين المقارنة وهو لا يمنح الفاعل تخفيفاً كبيراً، وإنما يمكن أن يصبح الإعدام مؤبداً، والمؤبد 15 سنة، أما الأشغال الشاقة المؤقتة فتصبح اعتقالا مؤقتا، وبالتالي فإن الأخذ بالدافع الشريف لا يخفف العقاب كثيراً.

وكانت جاءت المادة 192 من قانون العقوبات وعرّفت الدافع الشريف بـ "الدافع هو العلة التي تحمل الفاعل على الفعل، أو الغاية القصوى التي يتوخاها.." وتضيف العلي: إن المشرع السوري قد خطا خطوات واسعة بإلغاء العذر المحلّ وإلغاء الحالة المريبة، وإن استناده في العذر المخفف على ضعف إرادة الفاعل وضعف حرية اختياره كان جيداً، وإن كنت أرى العقوبة في المادة 548 خفيفة بعد الأخذ بالعذر المخفف.

سورية… ترتيب مخزي!

وتشير آخر الإحصائيات الصادرة حول جرائم الشرف في سورية إلى وقوع 60 جريمة شرف في العام 2014 توزعت على مختلف المدن السورية.

وتحتل سورية المرتبة الثالثة بين الدول العربية في قضايا "جرائم الشرف" حسب إحصائيات وزارة الداخلية لعام 2010، حيث سجلت 249 حالة في سورية و264 حالة في فلسطين و375 حالة في اليمن، علما أن 80% من الجرائم كانت في الأرياف التي يغلب عليها الطابع العشائري.

يحمّل الشيخ فرج القانون الذي ما زال متواطئاً مع القاتل المسؤولية، ويحمل مسؤولية أيضاً للإعلام، الذي "لا نجد للإعلام بكافة أنواعه أي دور للتوعية والتوجيه، وذلك باستضافة علماء الدين والقانون عبر ندوات وحوارات تلفزيونية لتوعية المجتمع"، ويختم فرج: بئس العادات والتقاليد التي تغفر للشاب زلته وخطأه، فإذا تعلق الأمر بزلة الفتاة وخطئها لم يغفر لها المجتمع حتى تهرب من وجهه، أو أن يغسل وليّها عاره كما يقولون ويدفنها في غياهب الأرض!

ويتساءل الشيخ فرج: لماذا تقبلون توبة الشاب وتنسون فعلته، ولا تقبلون من الفتاة توبتها، مع أن الله تعالى يقبلها منها ويغفر لها.


نسرين علاء الدين، صحيفة الأيام السورية، 2018/9


شارك المقال مع أصدقاءك..
Top