قاضية سورية: معاهد "الأحداث" لا تصلح للحيوانات!

منذ زمن طويل لم يعد سراً واقع أن "الإصلاحيات" في سورية، والمفترض أنها مخصصة لحماية الأطفال الذين في نزاع مع القانون من همجية الكبار، وإعادة وضعهم على الطريق الصحيح، ليست سوى "سجوناً" فاسدة. لكن وقتاً طويلاً مرّ منذ توقف الحديث عن هذا الأمر قبيل بدء ثورة الأخونج المنحطة في 2011.

مؤخراً أعادت صحيفة "الأيام" السورية فتح هذا الملف، فنشرت تحقيقاً للصحفية ليلاس العجلوني، نقلت فيه الواقع كما هو في معهد "الغزالي لإصلاح الأحداث" في قدسيا. فالتقت بـ"ع" ذو الـ 15 عاماً، والمتهم بممارسة اللواطة مع ابن جيرانه (10 سنوات)، لتتفاجأ بأن "ع" نفسه ليس إلا ضحية "جاره ذي 30 عاماً، والذي استدرجه وفرّغ فيه شذوذه الجنسي وبات يبيعه الأفلام الإباحية، التي أوصلت به الحال إلى اغتصاب غيره كما اغتُصب".

أما (س) ذو 17 عاماً وابن محافظة دير الزور، فيروي قصة سجنه مع ثلاثة من أصدقائه في معهد خالد بن الوليد للأحداث (في قدسيا) والذين كانوا ضحية تقرير كيدي يتهمهم بـ "الإرهاب"، بسبب خضوعهم لدورات تدريبية أجبرهم عليها تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي كان يحتل منطقتهم لفترة من الزمن، فلم تشفع لهم "التسوية" التي خرجوا بموجبها ولا الطفولة التي غادروها عنوةً، حسبما نقلت ليلاس.

"م" أيضاً (13 سنة) احتجز داخل المعهد بتهمة قتل ابن عمه ألصقها بها الأب ليتهرب من العقوبة!

"للأسف، ما يقدم في معاهدنا -الإصلاحية- لا يمت لتسميتها بصلة"، تقول ليلاس، فالمكان أشبه بـ"زريبة حيوانات" حسب تعبير أحد مدراء المركز، ولا يصلح للعيش البشري! ويشرح قائلاً: "بدءا بنائه غير الصحي الذي صمم بطريقة مشابهة للسجون المركزية، ذات "المهاجع" والأسِرَّة الحديدية المكسوة بفراش ممزق، ونهاية بكادره غير الكافي وغير المؤهل الذي يعاقب الطفل بالضرب والشتائم و يتعامل معه كـ"مجرم" لا كـ"ضحية"".

ليس في المعهد سوى اختصاصية اجتماعية واحدة نهاراً، ومراقب واحد ليلاً! والأطفال يجمعون بغض النظر عن مشاكلهم، فيعلم كل منهم الآخر "مهاراته" الخاصة! يعاقب الأطفال بالضرب، ويستغلهم المراقبون هم وأهاليهم في أوقات الزيارة. يقل الطعام إلى حافة الجوع، وتنعدم وسائل التدفئة شتاء والتبريد صيفاً، يتنمر الأطفال الكبار على الصغار دون حسيب.

منذ عشرين سنة حتى اليوم ما يزال المبلغ المخصص لإطعام الأطفال هو نفسه: 125 ليرة لكل طفل! بالتالي فإن اقتصار الطعام على "المعكرونة والمجدرة"، وتقسيم كيلو اللبنة الواحد على 17 طفلاً، هي نتيجة طبيعية!

كمال محمد، مدير معهد خالد بن الوليد، حاول تبرير الوضع للصحيفة ليلاس العجلوني، فيقول أن المعهد يطلب من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل "كوادر مؤهلة" في كل اجتماع، لكن الوزارة تتحجج بأن "الظروف الحالية تمنع ذلك".

واعترف المحمد أن مبلغ 125 ليرة لا يكفي، لكن الطلبات المقدمة من المعهد لا تلبى. وأشار إلى أن الجمعية السوريية للتنمية الاجتماعية تحاول تعويض بعض النقص.

وطالب المحمد بـ"تغيير البنية القانونية الخاصة بالمعاهد بحيث يكون لها هيئة مستقلة متخصصة برعاية وإصلاح الأحداث تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية، وتعمل على حل مشاكلها لوحدها وتوسيع دورها الإصلاحي، إلا أن الأمر صعب المنال كونه يحتاج إلى تعديل القانون".

تحقيق صحيفة "الأيام" نقل عن الأطفال في المعهدين، خالد بن الوليد والغزالي، أن المحاكم المختصة تتأخر بالبت بقضاياهم، فبعضهم "محتجز منذ قرابة 6 أشهر ولم يبت بوضعه بعد". الأمر الذي أكده مدير معهد الغزالي بأن 11 طفلاً فقط تمت محاكمتهم من أصل 70 متواجدين داخل المركز هذا الشهر.

رئيس محكمة جنايات الأحداث في دمشق والقنيطرة القاضي "فتون الدروبي" أوضحت لـ "الأيام" أن سبب التأخر في البت بالقضايا هو الضغط الهائل وارتفاع عدد الدعاوى خلال الأزمة نتيجة نزوح أغلب سكان المحافظات إلى دمشق، كما أن الدعاوى تمرّ بمراحل عديدة ما يؤخر البت فيها، مضيفة أنه خلال زيارة لها مع المحامي العام في دمشق لمعاهد إصلاح الأحداث الأسبوع الفائت تبينّ أن أغلب الدعاوى غير المبتوت فيها تابعة لمحكمة ريف دمشق، علماً أن القضاء جاهز لإصدار إخلاء سبيل أي طفل يحقق الحد الأدنى من العقوبة مباشرةً.

وأضافت الدروبي أن أغلب دعاوى الإرهاب ضد الأطفال هي دعاو "كيدية"! لكنها لم تشر إلى حل جذري لمشكلة هذه التقارير! مؤكدة أن المعهد أصلاً "لا يصلح لوضع حيوانات فيه وليس بشر فقط"! وقيمته بمستوى ناقص 10!

وأشارت القاضية إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ترفض رفع يدها عن المعاهد وتسليمها للقضاء! "فهم يكرهون التجديد دائماً" وفق ما نقلت عن لسانها صحيفة الأيام.

وختمت الصحيفة ليلاس العجلوني تحقيقها بالتأكيد أنه في الوقت الذي "نسعى فيه إلى إعادة الإعمار والنهوض بالبلاد من جديد، يعمل غيرنا على التضحية بجيل كامل من المفترض استقطابه وإشراكه في بناء مستقبل سورية، ففي هذه المعاهد جيل كامل قادر على العطاء والمساهمة، جيل من حقه سن تشريعات جديدة تعاقب من أودى به إلى هذا الحال، بدايةً بالأهل وانتهاءً بالمعتدي والمغتصب والمسؤول المهمل… جيل من حقه تفعيل "الرعاية اللاحقة" الموجودة ضمن قانوننا بالاسم فقط، والتي تستدعي تشييد مراكز إيواء تستقبل المستضعفين منه… جيل من حقه إيجاد مراكز "إصلاحية" بما تعنيه كلمة "إصلاحية" من معنى، تستوعبه عند الخطأ وتهتم فيه وتقوّمه، لا سجون تحطّم طفولته وتعمّق لديه مفهوم الجريمة!".


إعداد: مرصد نساء سورية


شارك المقال مع أصدقاءك..
Top