إليك أبي.. إليك وطني

بين فقدان أب وفقدان وطن أترنح كالسكارى..
كالسكارى أصبحت أترنح مدماة بعذاب الفقدان..
على قارعة الطريق وفي منتصف العمر أترنح بين عذاب الفقدان وانتظاره..
وأشتهي أن أتحسس قدميك مرة أخرى يا أبي..
مرة واحدة فقط أتحسس فيها يديك وقدميك وأشتم رائحتم..
هي لحظة لاأقل ولا أكثر لحظة يأتيك فيها أن إنسان لن يعد موجودا منذ تلك اللحظة..
ربما أستحق هذه الدقائق من الحزن والصمت كي أبكيك براحتي يا أبي كي أبكيك وأبكيك ومن كل قلبي وبأعلى صوتي..
فدموعي قد خنقتها في جوفي عندما أدركت أن المرض يتربع في جوفك وأنه قريبا سيأكل قلبك ويوقف نبضه..
دموعي التي أخفيتها كي أضحكك وأنسيك حزنك على هذا الجسد القوي الذي لم يعد يطاوعك..
الغربة بداخلي وليست بالسواد الذي حولي..
تجربة وراء أخرى هكذا نمر فيها هذه الحياة وننظر عاليا إلى النجوم.. إلى السماء علنا نفهم مايحدث..
أحدثك أبي وأرجوك أن تخبرني ماذا لديكم هناك.. أرجوك أن تحدثني أين أنت..
هل ترى دماء هناك ياأبي.. هل ترى حروب هل ترى جياعا أو عطشى أو مرض..
علك تأتيني يوما في الحلم لتخبرني أنك مرتاح.. أنك لاتشتاقنا ولاتشتاق هذه الحياة..
علك تأتي بجانبي للحظات لأمسك يديك وقدميك وأزرع نفسي في شموخك..
عندما كنت أمسك يدك الضخمة القوية كنت تقويني حتى في مرضك..
كالجبل كنت كالصخرة قوية شامخة..
أفتقد رنين صوتك وابتسامتك الساخرة أمام كل ماقد يجعلنا نضعف..
مازلت أسألك كل مايجول بخاطري ولكن صوتك ليس هنا.. أنظر إلى الأعلى علك تبعث لي برد ما..
أراك في روحي وفي جسدي وفي أصابعي وفي عزمي واصراري وفي نظرتي وفي عيوني..
أنت حي في داخلي..
غريبة تلك الأقدار.. لقد اخترت الرحيل أبي عندما نزف الوطن..
كبوتان كانتا في صيف هذا العام كبوة لك ياأبي وكبوة أخرى دمشقية..
كبوتان كسرت شموخ أيامي وخبأت شمسي..
أبي وطني ووطني أبي نزفا كليهما تحت شمس آب الحارقة..


سهى هلال، خاص: مرصد نساء سورية، (إليك أبي.. إليك وطني)

شارك المقال مع أصدقاءك..
Top