حبوا بعضن...تركوا بعضن

"بكرة الصبح الساعة عشرة رح مر عليكي كوني جاهزة" بلغتها صديقتها الرسالة بصوت محبط وأقفلت الخط. وما أن دخلت السيارة وألقت تحية الصباح عليها حتى أشعلت صديقتها سيجارة جديدة من عقب سيجارتها القديمة ثم أدارت محرك السيارة وانطلقتا.

على غير عادتها، لم تشغل صديقتها كاسيت السيارة وتغني وراء المطرب أو المطربة كما كانت تفعل دوماً.لم تنظر نحوها فرحة وبصوتها الحيوي تضحك وتقول "ما بعرف شو كان طعم الدنيا بدونك، لك انت أغلى صديقة عندي".
كان وجهها حزيناً ونظرها مركزاً على الموبايل المعلق أمامها في تابلو السيارة. تمد يدها نحوه وتضيء شاشته بين حين وآخر لعله استقبل مكالمة كانت ساهية عنها. ما أن يرن الموبايل حتى تمد يدها بلهفة وتخطفه بسرعة من مكانه ثم تهدىء السرعة وتقف بسيارتها على جانب الطريق تقرأ رقم المتصل ثم تعيد الموبايل مكانه بإحباط دون أن ترد على الرقم.
"ما اتصل فيكي؟" تسأل صديقتها.
"لأ" ردت ثم تناولت منديل وأخذت تمسح حبات العرق التي ملأت جبهتها وأعلى فمها رغم أن السيارة مكيفة.
في حي عريق من أحياء دمشق، أوقفت صديقتها السيارة. نزلتا منها ودخلتا إحدى العمارات الفاخرة إلى عيادة طبيب.
 رحب الطبيب بهما وجلس وراء مكتبه. كان في منتصف الخمسينيات من عمره.
أمام مكتبه سرير أسود طويل وبجانبه على اليسار سرير أصغر منه مسنده متحرك ينتهي بحوض أبيض ومحاط بستارة بيضاء مفتوحة.
بعد أن جلستا أصلح نظارته السميكة وسأل صديقتها :
"وينو إبن الحرام ليش ما إجا معك؟"
"قديش بتريد دكتور؟" سألته على الفور.
"منك رح آخد عشرين ألف، بس والله لو إجا معك العرص، لكنت حرقت قلبو وأخدت ضعف المبلغ متل ما عملتلك باللي قبلو". ترسم ابتسامة مصطنعة وتخرج المبلغ من حقيبتها وتسلمه له.
يعد الطبيب المبلغ ويضعه في الدرج ثم يطلب منها أن تستلقي على السرير الصغير الذي ينتهي بحوض أبيض.
"دكتور خايفة ما عاد جيب ولاد" قالت له بصوت محشرج وهو يغرز إبرة المخدر في يدها.
"ما تخافي،في عندي زبونة عملتها سبع مرات وبعدها قطبناها (ترقعت) وتجوزت وعين الله عليها صار عندها بنت".
بعد ربع ساعة أو أقل كان الدكتور المحترف قد جرف من رحمها كل شيء وامتلأ الحوض الأبيض بالبقع الحمراء ومنه للبلاعة.
جلست عند رأس صديقتها تمسح بيدها على شعرها ريثما تفيق من المخدر وهي تسترق النظر من حين لآخر إلى الدكتور الذي كان يجلس بالجانب الآخر ينظر من تحت نظاراته السميكة إلى الجسد العاري الممدد أمامه بشهوانية. بعد قليل من الصمت رفع الطبيب رأسه نحوها قائلاً "بتحبي اعملك فحص كامل لبين ما تصحى رفيقتك؟"
"لأ،شكراً" ردت بصوت صارم لتقطع أي شك في عقله.
ما أن فتحت صديقتها عينيها وحركت رأسها حتى طلب منهما الانتقال إلى الحجرة المجاورة ريثما تصحو صديقتها تماماً. ساعدتها في ارتداء ملابسها وسندتها وخرجتا من حجرة الطبيب إلى الحجرة المجاورة بينما دخلت زبونة جديدة مكانهما.
على مرتبة على الأرض، بدون أي ملاية أو غطاء أو مخدة استلقت صديقتها وهي تهذي بكلام غير مفهوم ثم غطت في نوم عميق.
جلست هي على الكرسي البلاستيك الوحيد الموجود في الغرفة تتأمل الغرفة. جدران بيضاء خالية من أي لوحة أو بوستر. تنعكس عليها أشعة الشمس الصيفية الخانقة من خلال شباك وحيد وعار من الستائر.
كانت صديقتها مرمية أمامها على المرتبة كفستان جميل مخلوع ومرمي على الأرض باستهتار بعد سهرة ماجنة وآثار البقع وثنيات البطن والملح المترسب تحت الأكمام لاتزال بادية عليه.
من عدة أشهر فقط اتصلت بها بعد أن اختفت أسبوعاً وبصوت يضج بالفرح قالت:
 "أنا بحب،لك أنا بحب، يالله شو بحبو، بجنن،بحبو بحبو".
 عندما تختفي صديقتها بعد مكالمة كهذه، تعلم أن رجلاً قد دخل حياتها. هكذا هي يقلبها الحب رأساً على عقب وتتخلى عن كل شيء من أجله،فتحب ما يحب وتكره ما يكره وتصدق كل كلمة يتفوه بها وكأنها من الكتاب المقدس.
في الأسبوع ما قبل الماضي اتصلت بها سعيدة وصرخت "احذري شو ! ونحنا بحضن بعضنا البعض،حط إيدو عبطني وقلي أنت أم ولادي، أنت أم فارس، لك بحبو، بموت عليه،يقبر قلبي"
عندما صحت صديقتها تماماً من تأثير المخدر، كانت الكآبة تكتسح وجهها المتعب ونظراتها تائهة وهي تردد "عطشانة، عطشانة".
ما أن ركبتا السيارة حتى مدت صديقتها يدها نحو الموبايل، نزعته من مكانه، أغلقته، ثم رمته في العلبة بجانبها. بعد ذلك أشعلت سيجارة وأدارت محرك السيارة وشغلت المسجل بعد أن خفضت صوته وانطلقت وهي تقود السيارة بهدوء.
انساب صوت فيروز من بعيد " يا حبيبي شو نفع البكي،شو إلو معنى بعد الحكي، ما زال قصص كبيرة وليالي سهر وغيرة بتخلص بكلمة صغيرة...حبوا بعضن..تركوا بعضن...."
"وين بتحبي وصلك؟" سألتها ودموعها تسيل بصمت.
"عالبيت" ردت ثم استدركت نفسها فسألتها "بتحبي انقضي اليوم مع بعض وتنامي عندي؟"
"شكراً، حابة كون لوحدي" ردت صديقتها بهدوء.
نزلت من السيارة بعد أن ودعتها وما لبثت أن لاحظت بعد قليل أنها تردد طوال الوقت "حبوا بعضن..تركوا بعضن...حبوووووووووووووا..تركوووووووووووا......".


 رولا فتال عبيد، (حبوا بعضن...تركوا بعضن)

خاص: مرصد نساء سورية

شارك المقال مع أصدقاءك..
Top