روزي

أعمل, أبتسم, أتنهد, أشرب القهوة, أتناول الطعام, أنام و أصحو لأدخل من جديد دوامة النهار. أشغل نفسي طوال اليوم وحين يأتي الليل تأتي هي.. تعربش على شرايين دماغي, تلتف حول قلبي, تعصره ببطء, يرشح منه الحب.. تجمعه في قارورة حلم ثم تعود لتسقيني إياه قطرةً قطرة حتى الصباح, فأحب الليل وأشتاق إليه و لكِ.

أي مسٍّ من العشقِ هذا الذي أصابني..

منذ سنواتٍ أربع وأنت قربي, بكل جوارحك وكنت لكٍ كما لم أكن لامرأةٍ لأبدا.

كل ما تغير أنك لست هنا الآن.. لكنني مازلت لكِ.

قلت لي قبل السفر إنها الحياة, وعليك السفر حيث أولادك وأهلك في الفلبين بانتظاركِ. أتيت للعمل, لجمع النقود ولم تتوقعي أن تحزمي معكِ بين أمتعتكِ قلب رجل.

اختارتك زوجتي من بين العشرات وقررت أن تضعك أمامي. هي واثقة أنني لا أعرف النظر لأنثى بعدها.. وأنا كنت كذلك..!

لكن عاصفةً هبت في البيت يوم صارت أصابعك ترقّص على الجدران.. تلمّع الزجاج.. تنكّه الطعام.. تعطّر الأثاث. صار البيت جنة وكنت أنتِ الملكة لأنك حاضرة في كل جزءٍ منه بلمساتكِ.. بنفسكِ الأنثوي الفواح.

زوجتي غمرتها السعادة فتركت المنزل لكِ ولم تترك مائدة في مطعمٍ إلا ونفخت فوقها دخان الأركيلة, ثم وقّعت عليها بصمات العطر الذي تحب.

صار صالون التجميل صديقها الودود.. تحتاجه كل يوم لتقطّع أوصال الساعات, وبات السوق هواءها الذي تستنشقه يومياً. هي الأكثر جمالاً بين النساء.. طارت روحها من المنزل, صارت دمية حسناء حتى أنا أصفق لها حين تطل ولا أدري ما الذي ينقصها, شيءٌ ما.. غير مرئي, غير محسوس لم أعد أراه فيها, فقدته, خلعته وألبسته لكِ أنتِ, لخادمتها الفليبينية.

أنا لم أنوِ خيانة زوجتي, قاومت الأمر طويلاً حتى أنني كثيراً ما ظلمتك, أخرجك من كل غرفةٍ أدخلها, أصرخ فيك لسببه تافه.. كنت أصرخ على مشاعري.

ظننتني قاسٍ وكنت أنا أحاول فصل تيارٍ ما يجذبني إليك.. أنتِ النحيلة القصيرة التي لا تملكين حسب مقاييسهم الجمالية ولو ذرةً من حسن زوجتي.

لكنه الهوى لا يعرف جمالاً أو مقياساً, هو الهواء حين يدخل رئتنا دون استئذان.. هو الحلم الذي يغزو نومنا دون وعي, وأنا حاربي هذا الشعور بكل ما أوتيت من عقلٍ وحكمة وإخلاص.. ولم أمسّك.

كان عشقي لكِ صوفياً محصناً بأخلاقٍ زُرعت في رأسي, وحين ضممتكِ يوماً إلى صدري نسيتُ بعض ما تعلمت فقبلت رأسكِ ثم يديكِ ثم تركتكِ تعود إلى عملكِ.

لم تقاومي عاطفتي فقد اعتدتِ على وجودي وعلى خدمتي حتى حدود الحب.

كنت  تودين أن تلبي كل طلباتي.. لكنني لم أطلب أكثر, اكتفيت بوجودكِ حولي كنحلةٍ تدور حول زهرتها.

أعلم أنكِ أحبّبتني وتعلقتِ بي مثل تعلقي بكِ وربما أكثر, أذكر دموعكِ ساعة الرحيل وقد تمسكت نظراتكِ بعينيّ كغريق يبحث عن قشة, أذكر دموع زوجتي عليك.. على هذه الخادمة التي لا تعوض, وأنني ككل الرجال قاومت البكاء حتى أصبحت تحت الماء في الحمام أغسل وجهي بدموعي الغزيرة.

رحلتِ إذاً.. وقد عادت الفوضى إلى المنزل من جديد, فزوجتي التي اعتادت تصفيف شعرها الذهبي كل يوم وتقليم أظافرها المطلية وشراء آخر صيحات الموضة لم تعد تجد وقتاً لتعطي بيتنا روح المرأة ولمستها الدافئة.

عاد الصقيع بعدك يا روزي. زوجتي الجميلة تطالب بالإسراع في إيجاد البديل.. بديلٌ عنكِ.. وأنا ما عدت أجد في أعماقي بديلا. لقد احتلت حركاتكِ وخطواتكِ كل شبرٍ من المنزل ومن قلبي.

طلبت من زوجتي أن نهجر المنزل ونشتري بيتاً أصغر, لم توافق.. فاقترحت بيتاً أكبر فوافقت من فورها. كانت تهتم "ببريستيجها" أمام الصديقات اللواتي سينعشن أنوثتها بصرخات (الواو) حين يعلمن بالخبر, وأنا أردت الهروب من منزلي.. منزلك ِأنتِ الموسوم بطيبك.. المنقوش ببصماتكِ..البيت الذي انقطع عنه تيار الحب الدافئ فانطفأت أنواره وصار مظلماً جداً.. سأنتقل يا روزي إلى بيتٍ آخر لأترك لكِ هذا المنزل تتجول روحكِ فيه كما تشاء, وربما أعود بين الحين والآخر لألمس جداراً لمسته أناملك يوماً.. سأحاول النسيان وربما التعايش من جديد مع عالم الدمى...!

وداعاً روزي.. وداعاً.


د. لين غرير، زاوية "بين السطور" ، (روزي)

خاص: مرصد نساء سورية

شارك المقال مع أصدقاءك..
Top