كن أنت الوطن..

ثم ماذا بعد.. لا أدري، ولكن.. إلى متى سوف نبقى نعد الأيام والليالي متخوفين من الوصول إلى يوم الجمعة، منذ متى كنا نخاف الأرقام كي لانصل إلى اليوم السابع من أيام الأسبوع، هل أصبحنا فعلا نكره الأسماء حين نفكر بما سيكون عليه اسم الجمعة القادمة! ومتى كنا نهاب النظر إلى بيوت الله التي كانت دائما تبعث الطمأنينة في النفوس، كيف أصبحنا بين ليلة وضحاها نمقت أيام العطل ونُسجن في بيوتنا خوفاً مما قد يحدث.

منذ متى نخشى الحرية، نحن الذين خلقنا أحراراً وسنموت كذلك.. لماذا أصبحنا نعتبر جميع الرجال مشاريع شهداء، والنساء مشاريع أرامل، والأطفال مشاريع أيتام.
هل فعلا استبدلنا صوت فيروز صباحاً بنشرات الأخبار التي تفوح منها رائحة الموت! ومن سرق الابتسامة من وجوه اطفالنا ليضع مكانها ملامح الخوف والحزن والألم.
حرية، طائفية، مندسين، حصار، شاهد عيان.. وغيرها كثير من المصطلحات التي تسللت إلى مجتمعنا رغم معرفتنا بها من قبل، ولكن هل سميت الأشياء بمسمياتها حقاً!
هل كل من طالب بالحرية هو إنسان حر.. حقاً! وهل هو شخص شرير! ليس بالضرورة في كلتا الحالتين.
جميعنا مع الحرية والمطالبة بالحقوق المشروعة، نحلم بمستقبل اجمل لبلدنا، ولكنني شخصيا لا أفوض أحد ليتحدث باسمي، فأنا التي لم اعتبر يوماً أحد من أعضاء مجلس الشعب ممثلا لي لأنني أصلا لم أنتخب أحد منهم مع انني شاؤوا أم أبوا فرد من أفراد الشعب السوري، فكيف لي إذاً أن أفوض شخصاً يسير في الشارع ليطالب لي بحريتي، أو آخر يقبع في أطراف العالم أن يعلمني كيف تكون الحرية هوالذي لا يستطيع أن يعيش حياته اليومية بحرية وإنما مقيد بقوانين وانظمة وسياسة البلد الذي يسكن فيه.
كثيرا ما طالبتُ ولازلتُ أطالب بالحرية للمرأة وكافحتُ ضد التمييز والعنف الذي يمارسه المجتمع الذكوري بكافة أشكاله.
واليوم أستغرب كيف هذا الرجل الشرقي بامتياز والذي قضيتُ عمري طالبة منه منحي حريتي الشخصية وحقي في الحديث وأخذ القرار والتعبير عن رأيي بلا خوف والاعتراف بوجودي معه كإنسان نتقاسم هذا العالم، واليوم أيضا هذا " الشرقي بامتياز"  يتبنى مصطلحات غربية ويتلقى دعم غربي ويخرج للحديث عن الحرية وعن حريتي أنا شخصياً ليطالب بها، قبل أن يمنحني هو هذا الحق.
وأسأل ما مفهوم الحرية الذي تقصده، للآن ومنذ قرابة الشهرين وأنا أفكر ما معنى الحرية وإن كنت شخص حر فعلا فهل تسمح لي بالحياة كإنسانة حرة في كل نواحي حياتي.
هل لدي حرية أن أرتدي كما أشاء وأتصرف كما أشاء وأضحك بالشارع بصوت مرتفع كما أشاء! هل لي حريتي بأن أقول (لا) لزوجي وأبي وأخي و..! هل لي حرية اختيار زوج المستقبل دون أي اعتبارات أخرى فقط لأني أريده.
أنت يا من رفعت شعار (لا للطائفية) و(الشعب السوري واحد) إلى جانب مطالبتك بالحرية هل تسمح لي بالزواج من صديقي الذي أعرفه وأحبه منذ سنين ولكني أخشى من بطشك فلا أجرؤ على التصريح بحبي ونيتي بالارتباط به فقط لأنه من طائفة أخرى؟!
كيف تنكر أنك طائفي وسوريا الحبيبة لاتزال في المرتبة الخامسة بالعالم بما يتعلق بجرائم الشرف التي في أغلبها ارتكبت بسبب زواج اثنين من دينين مختلفين؟!
بالأمس نايدت للجهاد ومن ثم ناديت بجمعة الحرائر لتطالبني بالخروج والتظاهر مع الشبان المتظاهرين، أنت الذي كنت ترفض خروجي للعمل واختلاطي بالرجال!
عندما تنادي بالإصلاحات فأنا معك، وإن كنت تريد القضاء على الفساد ومحاسبة الفاسدين فأنني سأكون في الصف الأول، ولكن حين تتعاظم لديك الرغبة بالقتل وتكبر شهوتك للدماء فأنا ضدك.
رحم الله جميع الشهداء الأبرياء بغض النظر إلى من ينتمون ولأي جهة يتبعون، فللأسف تريدون تقسيم المجتمع السوري إلى "مع" أو "ضد".
فإن لم تكن معنا فأنت حتماً ضدنا، إن لم تكن مع النظام فأنت مع المعارضة! ولكن ماذا عن الوطن الذي هو فوق الجميع؟! أنا مع الوطن مع الرجال الشرفاء في النظام والمعارضة.. فليس مطلوب منك أن تكون نظام او معارضة كن فقط الوطن.
لساعات مشيت في الشارع كما تمشون، حاملة معي بؤسي وألمي حتى شعرت بأنني بدأت اشبهكم انا التي لم ولن تشبه أحدا، نظرت إلى يدي فوجدتُ لون جلدي بدأ يتغير، لم أعد بيضاء ولست بسمراء.. لقد أصبحت رمادية!!! لا أعرف ما اريد، أين أسير، ومتى سأصل، وإلى أين سأصل، وما الذي ينتظرني! لماذا بدأ الخوف يتسلل إلى قلبي وأين رحل الأمن والأمان!
لا.. لا أريد أن أركب موجة الضياع هذه، لا أريد أن أرتدي السواد حداداً على أحد، لا اريد أن أقف إلى جانب رجال ببدلات رمادية اللون تعكس لون شعرهم وبشرتهم وعقولهم ونفسياتهم.
عذراً فأنا لن أخون وطني ولن أخون قناعتي سأنام لأحلم بغد أفضل وتصبح على خير يا وطن، فقد قررت الاستيقاظ غداً لأبدأ طقوس الفرح من جديد واستعيد لحظات عمري التي سرقتُ في غفلة من الزمن.

*- أرسلت هذه الزاوية قبل أشهر إلى الموقع، لكن توقفه بسبب الأحداث حال دون نشرها حتى الآن، فعذرا من الكاتبة الصديقة، والقراء..


حنان عارف، زاوية "بوح"، (كن أنت الوطن..)

خاص: مرصد نساء سورية

شارك المقال مع أصدقاءك..
Top