قضايا المرأة
 "زوجات الشهداء" .. بعد الفقد .. "عُقد" المجتمع تلاحقهنّ بلا رحمة!

 "عندما رحل زوجي "سهيل" بعد مرور أقل من عام على زواجنا جاء بمثابة تتويج لقصة حب دامت أكثر من ثماني سنوات، انطفأ كل شيء في قلبي وفي عينيّ، وعندما رحل أخي "رامي" بعد عام على استشهاد زوجي شعرت بأنه لم يبقَ لي شيئ حلو في هذه الحياة".



"نور" أخت وزوجة لشابين رحلا في هذه الحرب، ولم يصل أي منهما إلى الثلاثين من عمره، هذه حالة السوريات، سواء كنّ زوجات أو أخوات أو أمهات.

تتحدث "نور" عن أمها التي تتعامل مع كل أشياء "رامي" وكأنه مازال موجوداً، ترتّب ثيابه كل يوم في الخزانة، وتجدد محتويات المحفظة التي كان يحمل أمتعته بها عند مغادرته للمنزل، تزور قبر ابنها على عدد فروض الصلاة في اليوم، تزرع الورود وتسقيها، وتحدثه كما اعتادت أن تتحدث به مع صغيرها "رامي".

لا يمكن لكلام أن يعبّر عن مشاعر الفقد، تضيف "نور" أنها مازالت تنتظر عودة رامي وسهيل، تقول "أعلم أن هذا غير منطقي، ولكن هذه أحاسيس لا أعرف إلى متى تلازمني".

وجهاً لوجه
حالما تنتهي صدمة الرحيل الأولى، يبدأ مشوار من المعاناة في مواجهة حياة بمسؤولياتها المرهقة، وغالباً ما تكون الزوجة ضحية الفقد والحياة وحيدة مع مشاكل بالجملة.
"رنا" رحل زوجها تاركاً خلفه ثلاث بنات صغيرات قبل أن تصل الثلاثين من عمرها، تقول في ذكرى عيد الشهداء لهذا العام أن أصعب ما تشعر به كل لحظة هو أن لا شيء تنتظره، وإن أكثر ما يثير استياءها مقولة يرددها الكثيرون"شو ناقصها" في إشارة إلى بعض المزايا التي تحصل عليها زوجة الشهيد في سورية.

مديرة مكتب شهداء طرطوس "منى إبراهيم" تقول لآسيا إن أكثر من 90% من زوجات ضحايا الحرب هنّ ممن تقلّ أعمارهن عن 40 عاماً، وأن أكثر من النصف منهن في مرحلة العشرينات من العمر، وهذا يعني الكثير في مجتمعات تعجز النظريات عن دراسة وتحليل العقد النفسية الناجمة عن العادات أو المعتقدات، ويصبح على شابات في ريعان الشباب أن يعشن ضمن هذه الظروف مع أعباء بالجملة من متطلبات الحياة الصعبة.

تتحدث "راما" عن الطريقة القاسية التي يتعامل بها المجتمع مع زوجات الراحلين في هذه الحرب، فإذا ابتسمت كما تقول ستجد من يتهامس من خلفها بعبارات متل " مو فارق معها"، وإذا كانت ضعيفة تتناهشها وحوش المجتمع، أما الأسوأ بالنسبة لها كيف أن أقرب الناس إلي أسرتها سابقاً يتجنبون زيارتها لأنها الآن " أرملة"، وأن عليها أن تتشح دائماً باللون الأسود، لأنها إذا ارتدت ألوان زاهية فهذا يعني أنها لم تعد حزينة على رحيل زوجها.

"دبروا أموركم!"
لا تتعامل الجهات الرسمية المعنية بالشأن الاجتماعي أو الديني مع ظاهرة الأرامل، وتترك لكل حالة أن تجد ما يناسبها من حلول مجتمعية، باستثناء ما يتم طرحه من شعارات ضمن الاجتماعات الرسمية التي تختص بالقضايا المجتمعية، كطرح هيئة شؤون الأسرة لفكرة التشجيع على الزواج من الأرامل، ولكن في الواقع أن هناك مزايا يتم سحبها عندما تتزوج أي من زوجات الشهداء، كبطاقة الشرف، أو طلب بيان عائلي عند وجود فرصة للتثبيت، بحيث تضيع عليها فرصة التثبيت إذا تزوجت ثانية، حتى لو بقي أولادها في حضانتها.

انتشرت مؤخراً ظاهرة زواج الأخ من أرملة أخيه، كي تستمر الحياة كما لو أن الزوج ما زال موجوداً بالنسبة لأولاده وأرملته، يقول حيان "كان وقع طلب والدي في البداية يشبه وقع الصاعقة"، إذ كيف لي أن أتزوج ممن أتعامل معها كشقيقتي؟ ولكن مع استمرار إلحاح أهلي وتأكيدهم بأن إقدامي على هذا الأمر سيحمي أولاد أخي، وافقت، لكنه استيقظ في أحد الأيام ليجد زوجته قد أخذت أولادها وغادرت إلى بيت أهلها، بعدما اكتشف أنها لا تستطيع الاستمرار معاً تحت سقف واحد، لكن بالمقابل هناك زيجات مماثلة استمرت.

ذئاب بشرية
الكثير من القصص التي تتعرض لها الزوجات الشابات من سوء في المعاملة، قد يصل في بعض الأحيان حد الضرب المبرح من قبل أهلها أو أهل الزوج.

"أم ربيع" في العقد الثالث من عمرها رحل زوجها منذ ثلاث سنوات، وهي ترعى أولادها الأربعة، وفي أحد المرات دخل أخوة زوجها وانهالوا عليها بالضرب، لأن هناك من "يتهامس" عن علاقتها بشخص يحضر لهم الحطب كي تدفئ أطفالها، ولم يتوقف الأمر هنا، بل أصابت "الحمية" أخوتها أيضاً، وتعرضت للضرب من قبلهم، فما كان منها إلا أن أحضرت بارودة صيد في المنزل لم تجد استخدامها جيداً فخرج الطلق الناري في وجهها، لتلازم المستشفى مدة طويلة وتترك أطفالاً سبق لوالدهم أن تركهم مكرهاً أيضاً.

تقول "منى" تخترقني نظرات الكثيرين ممن يعرفون أني أرملة، وفي كل معاملة أو ورقة أريد إنجازها قد أجد من يساومني على جسدي مقابل إنجاز هذه المعاملة أو تلك الورقة، أو تسهيل أموري إذا كنت أريد تعبئة خزان المازوت، أو أي أمر آخر كان يفترض أن ينجزه الزوج.

أما "سناء" فتؤكد أن أحد الذين أوصل لها طقم الجلوس إلى المنزل، قال لها بعدما اكتشف أنها أرملة صغيرة في السن إنه لا يريد كامل أجرة فيما لو وافقته على طلبه!

تضيف "راما" أن سؤال أحد أصدقاء العائلة الذين صادفتهم بعد غياب طويل أذهلها من شدة فجاجته، حيث اقترب منها دون تمهيد وقال " أنت شابة صغيرة وعندك حاجات، كيف عم تدبري أمورك؟" تقول بألم نشعر في كثير من الأحيان وكأننا قطعة لحم قد تهاجمها الكلاب.

وظيفة لكل ضحية
تصل إلى مكاتب الشهداء في المحافظات الكثير من القضايا والمشاكل التي تواجه أسر الضحايا، مدير مكتب شهداء حمص "بسام محفوض" يؤكد لآسيا أن الطلب على الوظائف هو من أكثر القضايا التي يطلبها أهالي الشهداء إلحاحاً، ففي حمص نحو 10 ألاف ضحية حرب، من مختلف القطاعات، وأسر البعض منهم لا تحصل على المزايا ذاتها التي يمكن أن يحصل عليها البعض الآخر، ويرى "محفوض" أنه من الضروري أن يحصل جميع ضحايا الوطن على ما يحفظ عائلاتهم من الحاجة، ويعتقد أنه خلال الأشهر الثلاثة القادمة سيحصل أهالي القوات الرديفة على مزايا جديدة بعد الانتهاء من دراسة وضعهم.

لا يختلف الأمر كثيراً في محافظة اللاذقية حيث تؤكد مديرة مكتب ذوي الشهداء والجرحى والمفقودين باللاذقية "أحلام الرحية" أن طلب التوظيف من أكثر القضايا التي يطلبها أهالي الضحايا في المحافظة، إضافة إلى قضية تسمى " الأكشاك" حيث يحصل أهل الضحايا على محلات صغيرة "كشك"، وأن الجميع يريدها في أماكن أكثر حيوية، وهذا أمر غير ممكن، وتؤكد أن هناك خطة لإنشاء أسواق على أطراف المدينة.

في التعديلات الأخيرة على قانون توظيف أسر الشهداء، حصر القانون 7 لعام 2017 عقد العمل السنوي بالزوجة أو من تختاره من أولادها، وبكل مرارة نكرر نص القرار الذي ينص على مضاعفة الفرصة لتصبح الوظيفة لشاغرين في حال كان هناك شهيد آخر للأسرة، كأن يكون الزوج والإبن، ربما يمكن تفهم حجم أهمية فرصة العمل عندما نعلم أنه يقدم مقابل كل ضحية فرصة عمل!

حروب فقر
لا تقل مشاكل اليوميات وتأمين حاجيتها عن تلك المتعلقة بالجانب المجتمعي والإنساني، تقول "إبراهيم" مديرة مكتب شهداء طرطوس إن موضوع تأمين السكن هو من أبرز المشاكل التي تواجه عائلة الراحل، خاصة أن التعويضات التي تحصل عليها الأسرة لم تعد تشتري لهم غرفة صغيرة، إضافة لمشاكل أخرى تتعلق بالخلافات بين الزوجة وأهل الراحل، لأن قانون الأحوال الشخصية لا يمنح الأم الوصاية على أطفالها، وهي لأب الراحل إذا كان موجوداً، أو لأخيه، وهؤلاء هم آمرو الصرف، ويحصلون على نسبة من التعويضات التي يمكن أن تخصص للراحل، وهناك مشاكل تواجهها الزوجة إذا كان الزوج لا يملك أي من العقارات باسمه، وهنا يصبح المنزل الذي أشادوه سوية ليس لها، إلا كما يقرر أهل الزوج، وغالباً ما يكون القرار ليس لصالح الزوجة، رغم وجود أطفال، وقد يعود الأمر لحالة الفقر التي تعيشها غالبية الأسر، وهنا يؤكد "محفوض" أن موضوع الوصاية من أكبر المعوقات في وجه زوجات الضحايا، لأنهن الأكثر تضرراً.

ليست الحروب جديدة في تاريخ سورية، لكن أعداد ضحايا هذه الحرب لم تشهدها سورية من قبل، وما كان يمكن أن يكفي في معالجة القضايا المجتمعية لضحايا الحروب السابقة لم يعد ينفع مع تحول الآرامل إلى ظاهرة تحتاج الدعم على الصعيد الإنساني بالتوازي مع الجانب الاقتصادي.


يسرى ديب
عن الإنترنت، 2017/5/7

0
0
0
s2smodern