دراسات قانونية

بحضور حشد من المحامين والإعلاميين والمهتمين بالشأن اجتماعي، أقامت نقابة المحامين بدمشق ندوة حوارية حول الزواج المبكر في سورية وسلبياته على المجتمع وعلى النمو السكاني وما يستتبعه من أضرار تتعلق بالصحة الإنجابية وتأمين الغذاء.

وتحدث في هذه الندوة المحامي وعضو مجلس الشعب صلاح الدين السادات الذي أكد أهمية تعديل القوانين التي مازالت مترددة في تأكيد تحديد سن الزواج بشكل حاسم وهو سن الثامنة عشرة. وضرورة تعديل العديد من القوانين لتوافق مجتمعنا وتطلعاته. ومن المعروف أن القوانين السورية أعطت الضوء الأخضر أمام الزواج المبكر، إذ منعته بيد وأجازته بيد أخرى، فلم يكن المنع صريحاً، فقد جاء في قانون الأحوال الشخصية في المرسوم رقم 59 لعام 1953 المادة15 ما يلي:
1-يشترط في أهلية الزواج العقل والبلوغ.
وأكملت المادة 16 ما يعنى بكلمة أهلية الزواج
(تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر).

لكن الحل والهروب من عمر الثامنة عشرة جاء واضحاً في المادة 18 التي سمحت لزواج الأطفال بتقدير القاضي لاكتمال نموهما ووجود الولي فتقول:
1  إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما.
2  إذا كان الولي هو الأب أو الجد اشترطت موافقته.

ما يعني أن القوانين السورية تحتاج إلى حسم موقفها تجاه هذا الموضوع. أما بالنسبة لرجال الدين، فقد تحدث الأب أنطوان مصلح رئيس محكمة الطائفة الكاثوليكية بدمشق عن مضار الزواج المبكر بعدما استعرض جميع القوانين للطوائف المسيحية والتي في أكثرها لم تبت في مسألة تحديد سن الزواج بما لا يقل عن الثامنة عشرة، لكنه بحكم تجربته الشخصية في المحكمة، أكد أن أكثر حالات الخلاف بين الأزواج تنشأ عندما يكون الزواج مبكراً، وذلك لأن مسؤولية الأسرة هي مسؤولية كبيرة تحتاج إلى عقول ناضجة قادرة على تربية الأطفال وحل مشكلاتها دون تضخيم. وأكّد أيضاً ضرورة تحديد النسل- وهذه خطوة إيجابية من رجل دين أن يؤكد فكرة تحديد النسل بوضوح _ وذلك لأسباب كثيرة أهمها صعوبة تأمين الغذاء والصحة، وأيضاً التخوف من التضخم السكاني، وهو ما تعاني منه سورية التي تعد من أكثر الدول نمواً سكانياً في العالم..

وطالب بحلول متوسطة لا أن يكون الزواج مبكراً ولا أن يتأخر الشريكان في الزواج، فلكليهما مخاطر سلبية. الاعتدال في سن الزواج هو الأكثر أماناً وإيجابية للأسرة والمجتمع. بينما لم يكن الأمر واضحاً لدى الشيخ الدكتور محمد خير الطرشان الذي لم يقر بتحديد سن الزواج بل استعرض نماذج من القرون الوسطى لليونان والفرنسيين والسويسريين وغيرهم من بلدان الغرب الذين كانوا يزوجون مبكراً. واستعرض أيضاً زواج مريم العذراء في سن الثالثة عشرة! وزواج النبي من السيدة عائشة وكذلك زواج الخلفاء الراشدين من نساء صغيرات. وبيّن من خلال أحاديث نبوية وآيات قرآنية جواز الزواج المبكر، وأكّد أن الغرب إنما يريد تحت مسميات كثيرة في مؤتمرات السكان من مثل الصحة الإنجابية أن يصل إلى مفاهيم تتعلق بتحديد النسل وكذلك الإجهاض لغاية في أنفسهم.مؤكداً بقوة أن الزواج المبكر خير من الزنى.. وكأنما لا حل بينهما!

واستعرضت الطبيبة النسائية رزان خليل  مضار الزواج المبكر من خلال أرقام أثبتت فيها تزايد مضار الحمل غير الآمن، وكذلك الإجهاض وتزايد عدد الأولاد. كل هذا يرهق الطفلة المرأة التي تزوجت ولم يكتمل بعد جسدها وعقلها.
إذ تزداد نسبة وفيات النساء دون الثامنة عشرة بسبب تعرضهن للحمل والولادة وهن في طور النمو.

وبالنسبة إلى سورية فالنسب غير دقيقة فيما يتعلق بالزواج المبكر، لكن النسبة المعلنة هي أن السيدات المتزوجات ما بين 15و19 عاماً يبلغن 6,11% من النساء المتزوجات، ولقد بيّن العديد من الدراسات، سواء على مستوى الوطن العربي أم على المستوى الوطني، ومنها دراسة للاتحاد العام النسائي في العام 1997 وتم التوسع فيها في العام ،2004 أن نسبة من أنجبن ستة أولاد فما فوق هي 73% من حجم العينة المدروسة من الملمات وغير المتعلمات، تنخفض إلى 33% عند حملة الابتدائية، وتصل إلى 20% عند حملة الإعدادية، ومن ثم 18% عند حملة الثانوية، و12% عند حملة الشهادة الجامعية.
وقد أغنى تلك الجلسة الحوارية النقاشات التي أوضحت العديد من الالتباسات، وخاصة في المفاهيم الدينية التي تحض على الزواج المبكر.

أما النية فتبدو واضحة في تغيير سن الزواج وتعديل القانون ليحدد سن الزواج بثمانية عشر عاماً، وهو سن الرشد، وإتمام مرحلة الطفولة التي يستطيع بعدها الإنسان الاعتماد على نفسه وكذلك يحاسب على أفعاله، وعلى الأقل يسمح له بقيادة سيارة قبل أن يسمح له بقيادة أسرة بأكملها.


رهادة عبدوش، (الزواج المبكر في سورية.. مرة أخرى في حوار مفتوح)

عن جريدة "النور" السورية، (9/2/2011)

0
0
0
s2smodern