علم نفس واجتماع

يعتبر العنف مشكلة خطيرة تواجه كثيراً من المجتمعات في العالم، وهو قديم قدم الوجود، فلقد ظهر منذ أول صراع بين البشر المتمثل في الخلاف بين قابيل وهابيل، ومما يزيد في خطورته أن غالبية من يمارس عليهم العنف هم من الأطفال الذين يمرون بمراحل نمائية هامة تؤثر في توافقهم النفسي المستقبلي، وبخاصة مرحلة المراهقة.

وللعنف مظاهر متعددة فمنه العنف اللفظي والجسدي والجنسي والنفسي، وله مجالات عدة يظهر فيها منها الشخصي، والمدرسـي، والأسري، والمؤسسي، والاجتماعي، والاقتصادي، وسيتناول هذا البحث أكثر أشكال العنف شيوعاً، وتدميراً (طقش، 2002، 5)، وهو العنف الأسري؛ حيث يعتبر ظاهرة اجتماعية تعاني منها الكثير من المجتمعات، ويشكل العنف الأسري خطورة كبيرة على حياة الفرد، والمجتمع، فهو من جهة يصيب الخلية الأولى في المجتمع بالخلـل، ومن جهة أخرى يساعد على إعادة إنتاج أنماط السلوك، والعلاقات غير السوية بين أفراد الأسرة الواحدة، بالإضافة إلـى أنه يظهر في المنزل، وفي كثير من الأحيان لا يلاحظه العالم الخارجي، فهو يحدث في إطار ضيق، ويمكن إنكاره وإخفاؤه، وتأثيره على الأطفال لا ينتهي مع مرحلة الطفولة بل يصحبهم في مراهقتهم ورشدهم؛ حيث يؤثر على أدائهم داخلياً وخارجياً، فالأولاد الذين يشاهدون تبادل العنف بين والديهم، ويتعرضون له منهما يعانون من الإحباط، والانسحاب الاجتماعي، وتزيد بينهم نسب الانتحار، ويتعرضون من جهة أخرى للانحراف, ويتبنون سلوكات عنيفة وإجرامية (p.51،1996،O’keefe)، وبالتالي، فهو ظاهرة شائعة وخطيرة, حيث إنَ آثارها ليست محصورة في الإصابات الجسدية فقط بل بما ينتج عنها أيضاً من آثار نفسية على الضحية، تؤثر على تكيفه، وبالتالي على توافقه النفسي، وهذا ما دفع الباحث إلى دراسة علاقة العنف الأسري بالتوافق النفسي.

1-1- مشكلة البحث ومسوغاته:
يعد العنف الأسري مشكلة اجتماعية كانت تعتبر حتى وقت قريب مجرد ظروف اجتماعية مصاحبة للأسرة منذ تكون النظام الأسري، فلم يكن القانون في أغلب الدول يعتبر بعض أشكال العنف الأسري جريمة، بل كانت جزءاً مقبولاً من التفاعل بين الأطفال والراشدين مثل وأد البنات، والذي ما زال موجوداً في الهند والصين، كما اعتبر الأطفال ملكية خاصة بالوالدين تصاحبها حرية كاملة في كيفية التصرف معهم لفترة طويلة من الزمن، وحكم الرجل المرأة عبر التاريخ باعتبـارها ملكيـة خاصـة من الناحيـة القانونية (pp 5-8,1997,Barnett et.al).
والعنف الأسري هو "مختلف الأنماط السلوكية المقصودة، وغير المقصودة، الصادرة عن أي عضو من أعضاء الأسرة البالغين، والموجهة نحو الأطفال، كذلك جميع الظروف، والعوامل الأسرية المحيطة بهم، والتي تسبب لهم أضراراً جــسدية، ونفسـية، واجتماعية تعيق نـموهم، وتترك آثاراً سلبية في جوانب شخصيتهم" (داود، 2005، 70).
ويظهر العنف الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة، والمكونة من الوالدين، وأولادهم، ويأخذ أشكالاً فقد يكون عنفاً جسدياً، أو معنوياً  بين الوالدين، وقد يكون عنفاً جسدياً، أو معنوياً موجهاً من الوالدين إلى الأولاد ويعني هذا بالتحديد: الضرب بأنواعه، والسب، والشتم، والاحتقار، والطـرد، والحرق، والإرغام على القيام بفعل ضد رغبة الفرد.
لـقد استدعى الباحث مسوغات عدة لهذا البحث منها اطّـلاعه على عدة دراسات تشير إلـى زيادة نسـبة انتشـار العنف الأسري؛ حيث  قـدر عـدد الأطفال الذين يتعرضون للـعنف الأسـري سـنوياً على نطاق العالم بما يتراوح بين (133) مليون طفل و(275) مليـون طفل (الأمم المتحدة ،2006 ،17)، وقد أشارت نتائج الدراسات التي قام بها جيمس (1994) في الولايات المتحدة إلى أن كل سنة يوجد أكثر من (800) ألف حالة من إساءة معاملة الأطفال وإهمالهم، وإن حوالي (160) ألفاً من هؤلاء الأطفال من يعانون إصابات وأضرار وإعاقات على المدى البعيد (حسين، 2008 ،44).
وعلى صعيد المجتمعات العربية وجدت هند طه وآخرون (1995) في دراستهم عن العنف الأسري في المجتمع المصري أن(52.38%) من أفراد العينة الكلية أشاروا إلى أن العنف الأسري أصبح يمثل ظاهرة منتشرة في المجتمع المصري (الخولي، 2008، 84).
وفي الأردن، تشير نتائج الدراسات عن العقوبة البدنية ضد الطفل - وفقاً للمجلس الوطني-  أن أغلبية الناس يعتقدون أن الضـرب التأديبي ليـس جيداً فحسب، بل هو أساسي لتنشئة الأطفال، كما أظهرت الدراسات أن (90%) من الآباء يضربون الأطفال لغاية خمس سنوات بمعدل ثلاث مرات أسبوعياً، وأن (52%) من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين (13 و14) سنة يُضربون عادةً، وأن (20%) من الطلبة في المرحلة الثانوية يضربهم آباؤهم، كما أن (60%) من الآباء يضربون أولادهم بالصفع على الوجه أو على اليدين أو المؤخرة، وأن (20%) يقومون بدفع الطفل أو بحمله من أحد أطرافه بعنف، وأن (15%) يستخدمون العصا أو أية أداة منزلية لتأديب الطفل، وأن (10%) منهم يقومون عادة بقذف جسم ما صادف أن كان بيدهم على الطفل(http://crin.com/).
أما فـي المجتمع السـوري تبين أن (76.7%) من الأحداث الجانحين استخدم آباؤهم أسلوب الضرب في عملية العقاب، وكانت الأخطاء بسيطة أحياناً، وأن (20%) استخدم معهم آباؤهم أسلوب الطرد من المنزل، و(54%) منهم استخدمت أمهاتهم أسلوب الضرب، و(34%) منهم اسـتخدمت أمهاتهم أسلوب الطرد، و(70%) من الفتيات الجانحات خضعن للضرب، وكذلك الطرد من قبل آبائـهن أو أمـهاتهن(عبود ،1995 ،85 وما بعدها)، وتبين أيضاً وجـود أشكال متعددة من العنف داخل الأسرة تتراوح بين الشتم، والضرب، واسـتخدام أدوات كالعصا، والسوط (اسماعيل، 2004، 248).
إضافة إلـى تزايد نـسبة انتشار العنف الأسـري في المجتمع السوري، والمجتمعات العربية والغربية شعر الباحث من خـلال عمله كعضو في الفـريق المركزي لحماية الطفل في وزارة التربية في العام الدراسي (2007-2008)، أن هناك الكثير من الطلاب يعانون من العنف الأسري (وزارة التربية و اليونيسف، 2009، 7)، ويلاحظ عليهم ضعف في التوافق النفسي، كما يلاحظ أن هناك تردداً كبيراً في طرح هذا الموضوع لعدة أسباب منها ما هو اجتماعي بأنه لا يجوز التكلم عما يحدث في البيت، بالإضافة إلى أن من يقوم بالعنف هو شخص من الأسرة، وبالتالي لا يجب الحديث عن هذا الأمر لأنه يعتبر من مواضيع " التابو"، ويحرم بالتالي الإفصاح عنه للغرباء، ومنها قوة الطرف المعتدي اقتصادياً، وجسدياً، وقانونياً، وحتى اجتماعياً (موقع السلطة).
بالإضافة إلى ما سبق تؤكد الدراسات، والبحوث أن الأسرة التي تغرس في نفوس أطفالها اتجاهات الحب والتقدير والثقة بالنفس هي الأسرة التي تبني أشخاصاً أسوياء، أما الأسر التي تـغرس فـي نفـوس أطفـالها اتجاهات سـلبية كالكراهية، والحقد، والخـوف، وعـدم الثقة بالنفـس، فـهي تبنـي الشـخصيات المنحرفة الجـانحة، والمضطربة اجتماعياً، وانفعالياً (خليل، 2000، 29).
فالطفل بحاجة إلـى المحبة، والقـبول، والاسـتقرار لنموه النفسي، والانفعالي، والعقلـي - بل وحتى الجسدي - وهو لن يشعر بالأمن النفسي إلا إذا شـعر بأنه مقبول، ومرغوب فيه ضـمن عائلته (سلطان، 2008، 44). 
ولا يفـرق بعـض الباحثيــن بين الآثار النفسية والجـسدية لأشكال العنف الأســري علــى الأولاد، فجميع أشكـال العنف النفسي، والجسدي، والعنف المتبادل بيـن الزوجين أمـام الأولاد تؤثر على صحة الأولاد النفسية، وتعيق توافقهم النفسي بأبعاده الشخصية، والاجتماعية (طقش، 2002،  9-10).
ووجد فيلدمان وزملاؤه 1995 (Feldman et.al) أن الأطفال المتعرضين للعنف لديهم عـلاقات اجتماعية مضطربة مع الأقـران، كما يعانون من المشــاغبة والشــجار الدائم، والانسحاب من الأنشطة الاجتماعية، كما أن لديهم خوفاً مفرطاً من الغرباء، ويعانون من الخجل الشديد، كما وجد كل من ديفينز وآخرون 1994 (Davis et.al)، لوس واليكسندر 1997 (Loss.and Alexander) ارتفاع معدل الاضطرابات السلوكية بين المراهقين المتعرضين للعنف خاصة العدوان، والعناد (عبد الرحمن، 2006، 61-62).
مما تقدم نلاحظ الآثار السلبية للعنف الأسري، وانعكاساته على شخصية الضحية، وانتشاره في مجتمعنا، إلا أن الدراسات المحلية لم تتناول آثاره النفسية، وخاصةً ما يتعلق بالتوافق النفسي، كل المسوغات السابقة دعت الباحث لدراسة علاقة العنف الأسري بالتوافق النفسي.

ويمكن صياغة مشكلة البحث بالسؤال الرئيسي الآتي:
- هل توجد علاقة بين ظهور العنف الأسري والتوافق النفسي لدى المراهقين؟


العنف الأسري وعلاقته بالتوافق النفسي لدى المراهقين
دراسة ميدانيّة على طلاب المرحلة الثانوية في مدارس مدينة دمشق
رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الصحة النفسية للأطفال والمراهقين

جــامعـة دمشـق
كـلية الـتربـيـة
قسم الإرشاد النفسي
إعداد الطالب:
يامـن سـهيل مصطفـى
إشراف الدكتورة:  صبـاح الســـــــــــــقا، المدرسة في قسم الإرشاد النفسي
العام:   2009-2010


لتحميل الملف كاملا، يرجى النقر على الرابط هنا.. بالزر اليمين للماوس، واختيار "حفظ الهدف كـ.." (Save tagret as..).
الملف من نوع PDF
حجم الملف: 1,80 MB


يامن سهيل مصطفى، (العنف الأسري وعلاقته بالتوافق النفسي لدى المراهقين، دراسة ميدانيّة على طلاب المرحلة الثانوية في مدارس مدينة دمشق)

خاص: مرصد نساء سورية

0
0
0
s2smodern